حال الفعل مع المفعول والفاعل
  ووجه دفع الإيراد الثانى كما أشرنا إليه أنا نقول البيان للإجمال الذى أشعر به فعل المشيئة لا يتوقف على تقرر دليل الحذف فيصح أن يكون دليل تعيين المحذوف هو المبين للإجمال الكائن فى ذلك الشرط، وإنما قلنا: وأظهر ما يكون فيه ذلك إذا وقع ذلك الفعل شرطا، إيماء إلى أنه قد يكون فى غير الشرط كقولك: بمشيئة الله تكون هدايته، إذ التقدير بمشيئة الله هدايتكم تكون هدايته إياكم.
  فإذا كان فعل المشيئة متعلقا بما ليس غريبا حذف كما فى المثال للغرض السابق (بخلاف) ما إذا كان تعلق فعل المشيئة بالمفعول غريبا فلا يحذف ذلك المفعول كما تقدم، وذلك كما فى نحو قوله:
  ولو شئت أن أبكى دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع(١)
  فلما كان تعلق فعل المشيئة ببكاء الدم غريبا لقلة ذكره كذلك لم يحذفه؛ بل ذكره لتأنس به النفس فيتقرر الجواب فى ذهن السامع؛ لأن الغرض تقرير الجواب ولزومه للشرط.
  ويحتمل أن يكون الغرض تقرير مفعول الشرط ببيان ترتبه فى الجواب على المشيئة؛ لئلا ينكر حصوله عن الفعل والمآل واحد، ولما كان هنا فعل فيه إشكال لاحتمال أن يكون تعلق بالغريب، فذكر أو ذكر لعدم الدليل على الحذف.
  أشار إلى بيان ذلك فقال (وأما قوله:
  فلم يبق منى الشوق غير تفكرى ... فلو شئت أن أبكى بكيت تفكرا(٢)
  فليس منه) أى: ليس مما تعلق فيه فعل المشيئة بغريب؛ لوجهين.
  أحدهما: أنه لو كان منه لوجب ذكر مفعول أبكى؛ بأن يقول: فلو شئت أن أبكى تفكرا بكيته؛ لأن غرابة المفعول هنا بمفعوله فيجب ذكر ما صار به غريبا؛ لتأنس
(١) البيت أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٨٢ وذكر تمام البيت (عليه ولكن ساحة الصبر أوسع) وقائله الخزيمي: إسحاق بن حسان، شاعر عباسي من الموالي والبيت من قصيدة يرثى بها عثمان بن عامر بن عمارة ابن خزيم أمير عرب الشام، وقائد المضرية في الفتنة بين القيسية واليمنية أيام الرشيد، وفي دلائل الإعجاز للجرجاني ١٦٤ والكامل ١/ ٢٥١، والتبيان ١٩٣ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى.
(٢) البيت للجوهري من شعراء الصاحب بن عباد في الإيضاح ص ١١٢ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى، وفي شرح عقود الجمان ١٢٧.