فلم يبق منى الشوق غير تفكرى
  (إظهارا) أى: لأجل إظهار (لكمال العناية) أى: الاعتناء (بوقوعه) أى: وقوع ذلك الفعل الثانى (عليه) أى: على ذلك المفعول صريحا حتى كأنه لا يرضى أن يوقعه على ضميره، وإن كان كناية عنه وذلك عند كون المقام يناسب ذلك على ما يتبين فى الشاهد (كقوله:
  قد طلبنا فلم نجد لك فى السو ... دد والمجد والمكارم مثلا)(١)
  فحذف مفعول طلبنا، والأصل قد طلبنا لك مثلا، وإنما حذفه؛ لأنه لو ذكره أولا ناسب أن يتسلط الفعل بعده، وهو قوله: فلم نجد على ضميره؛ لأنه تقدم معاده فناسب لو قدمه فقال: قد طلبنا لك مثلا أن يقول: فلم نجده، والشاعر فى غاية الاعتناء بتسليط نفى الوجدان على لفظ المثل؛ لأن الآكد فى كمال مدح الممدوح نفى وجدان المثل على وجه لا يتوهم فيه، بل ولا يخطر بالبال أن الذى نفى وجدانه غير المثل والضمير من حيث هو يحتمل ذلك، ولو تعين المعنى بالمقام والمعاد، ولكن المبالغة فى المدح لا يناسبها إلا ما لا يأتيه الباطل بوجه؛ ولو تخيلا، وورد على هذا أنه لو قال: قد طلبنا لك مثلا فلم نجد لك مثلا أفاد تسليط نفى الوجدان على لفظ المثل، فلا يتعين الحذف للتسليط، وأجيب بأنه: لو قيل كذلك لزم فيه إقامة الظاهر مقام المضمر والحذف المفيد لهذا المعنى أسهل من تلك الإقامة، لعدم الحاجة إليها مع أنه لو قيل كذلك لتوهم أن المثل الثانى خلاف الأول لأن تكرار النكرة ظاهر فى إفادة التغاير فيكون التقدير: قد طلبنا لك مثلا فلم نجد لك مثلا آخر مخالفا للمطلوب، وإنما وجدنا المطلوب، وهذا فاسد ولهذا ارتكب الحذف على وجه التنازع بأن أعمل الثانى، وأهمل الأول، وحذف معه ما يستحق من الضمير، ولا يصح العكس هنا وإلا لقال: فلم نجده، إذ لا يجوز حذف الضمير عند إعمال الأول على المشهور. فإن قيل: فالمحذوف حينئذ ضمير المثل، وأما المثل فهو مؤخر فقط لا محذوف، والكلام السابق يدل على أن المحذوف لفظ المثل قلت: المراد أنه كان الأصل ذكره أولا، فينتفى التنازع، ليعود
(١) البيت للبحترى فى مدح الخليفة المعتز في الإيضاح ١١٣ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى، وفي شرح المرشدى على عقود الجمان ١٢٨.