فلم يبق منى الشوق غير تفكرى
  يؤيد ذلك من كلام أئمة التفسير فقال (ولهذا) أى: ولأجل أن التخصيص لازم للتقديم غالبا (يقال) أى: ولأجل ذلك يقول أئمة التفسير (فى) قوله تعالى حكاية ما أمر أن يخاطبه به العباد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(١) أى: يقال فى هذا الخطاب (معناه نخصك) أى: نجعلك دون كل موجود مخصوصا (بالعبادة والاستعانة) على جميع المهمات، أو على أداء العبادة بمعنى أن لا نعبد ولا نستعين غيرك.
  (و) لهذا أيضا يقال (فى) قوله تعالى {لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ}(٢) معناه: تحشرون إليه لا إلى غيره وإنما كان كلام الأئمة فى تفسير الآيتين دليلا على أن التقديم أفاد الاختصاص؛ لأنه لم يوجد فى الآيتين من آلات الحصر إلا التقديم كما لا يخفى.
  وقد قالوا معنى الآيتين كذا، وأما لو كان الاختصاص من مجرد ما علم من خارج وأن التقديم لمجرد الاهتمام كما قيل لم يناسب أن يقال معنى الآيتين كذا، بل يقال استفيد مما تقرر من خارج أن لا عبادة، ولا استعانة لغيره، وأن لا حشر إلى غيره فليتأمل.
  (ويفيد التقديم فى الجميع) أى: فى جميع ما أفاد فيه التقديم تخصيصا وراء) أى: بعد ذلك (التخصيص) المفاد للتقديم (اهتماما) مفعول يفيد أى: يفيد التقديم اهتماما (ب) ذلك (المقدم) بعد التخصيص، وبعدية الاهتمام بالنظر إلى أن المقصود بالذات هو التخصيص، والاهتمام تابع لسر التخصيص، وقد تقدم أن الاهتمام يكون بمعنيين أحدهما: كون المقدم مما يعتنى بشأنه، لشرف وعزازة وركنية مثلا، فيقتضى ذلك تخصيصه مثلا بالتقديم وهذا المعنى يناسب بحسب الظاهر أن يقال؛ لأنهم يقدمون الذى شأنه أهم وهم ببيانه أى: ذكر ما يدل عليه، أعنى: ونفس الاهتمام فى هذا الموجب للتقديم، ولا يدل تقديمه إلا على أن المتكلم له به الاعتناء المطلق.
  والآخر: كونه مما فى تقديمه معنى لا يحصل عند التأخير، فإن المفعول مثلا إذا تعلق الغرض بتقديمه لإفادة الاختصاص فلم يتعلق الاهتمام بذاته، وإنما تعلق بتقديمه
(١) الفاتحة: ٥.
(٢) آل عمران: ١٥٨.