مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ألفاظ الاستفهام:

صفحة 493 - الجزء 1

  يتوهم أنه ليس بكاف، أو على من نزل منزلته، فيتقرر بإقرار المخاطبين بأن الله كاف لاستلزامه إنكار النفى، أى: نفيه بحيث يظهر بذلك الإقرار أنه لا سبيل إلى الإقرار بغير الإثبات؛ لظهوره لكل أحد ولو لمعاند، فعند الإلجاء إلى الإقرار لا يكون إلا بذلك الإثبات، فاستفيد من هذا الكلام أن التقرير يستلزم إنكار غير المحمول على الإقرار به، وأنه لا يجب أن يكون الإقرار فيه بالحكم الموالى للهمزة، بل بما يعلمه المخاطب، فيكون بالإثبات، ولو وليها النفى كما فى الآية، ويكون بالنفى، ولو وليها الإثبات كما فى قوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ}⁣(⁣١) فإن الهمزة فيه للتقرير بما يعلمه نبى الله عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسّلام - والذى يعلمه هو أنه ما قال لهم اتخذونى، لا أنه قال لهم ذلك، فإذا أقر عيسى بما يعلم وهو أنه ما قال ذلك، انقطعت أوهام الذين ينسبون إليه ادعاءه الألوهية وكذبهم إقرار عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسّلام - فقامت الحجة عليهم، وهذه الآية مما خرج عما تقدم من أنه يلى المقرر به الهمزة؛ لأن المقرر به فيها نفس النسبة، إذ ليس المراد إظهار أن غير عيسى قال هذا القول دون عيسى، بل المتبادر بيان أنه لم يقله تكذيبا للمدعين، لا أن غيره قاله دونه هو، ثم قول المصنف والإنكار كذلك يتضمن أنه إذا أريد إنكار الفعل جعل مواليا للهمزة، فيقال لإنكار صوم الدهر - مثلا: أصمت الدهر، ولما كان لإنكار الفعل صورة أخرى لا تلى فيها الهمزة الفعل، أشار إليها بقوله (ولإنكار) أصل (الفعل صورة أخرى وهى) أن يلى الهمزة معمول الفعل المنكر، ثم يعطف على ذلك المعمول بأم، أو بغيرها (نحو) قولك (أزيدا ضربت أم عمرا) وإنما تكون صورة هذا الكلام لإنكار أصل الفعل إذا قلته (لمن يردد الضرب بينهما) أى: بين زيد وعمرو، وترديده الضرب بأن لا يعتقد تعلقه بغيرهما، وذلك لأن الفعل إذا كان منحصرا فى تعلقه بهما فى نفس الأمر تقول فى إنكار التصدق: أعلى أهل بلدك تصدقت أم على غيرهم؛ لأن التصدق منحصر تعلقه فى أهل البلد، وغيرهم، أو فى زعم المخاطب كما فى المثال لزم من إنكار تعلقه بما انحصر فيه إنكار أصله؛ لأن الفعل لا بد


(١) المائدة: ١١٦.