النهى
  (وقد يستعمل) النهى بمعنى صيغته (فى غير طلب الكف) استعلاء الذى هو معناه الأصلى على قول من قال: إن مدلوله طلب فعل هو الكف عن الفعل بناء على أنه لا يكلف إلا بالفعل، لعدم القدرة على عدمه، والكف المذكور هو فعل يحصل بشغل النفس بضد المنهى عنه، ويستدعى تقدم الشعور بالمكفوف عنه (أو) فى غير طلب (الترك) على وجه الاستعلاء الذى هو معناه الأصلى على قول من يقول: إن مدلوله طلب عدم الفعل، وهو المعبر عنه بالترك، بناء على أنه يكلف بعدم الفعل، أى: بتركه بناء على أن القدرة عليه بسبب القدرة على التلبس بضد المنهى؛ لأن العدم متحقق حينئذ، ولا يستدعى تقدم الشعور به، ولكن الجارى على اللسان أن الترك بمعنى الكف، فيستدعى تقدم الشعور، إذ لا يقال فيمن لم يخطر بباله فعل أصلا ولم يفعله أنه تركه، وعلى الأول وهو أن المكلف به الكف فلا يفعل مقتضى النهى إلا من استشعر المنهى فتركه، فلا يمثل النهى من لم يفعل المنهى ذاهلا عنه، فيلزم إثمه ولا قائل به إلا أن يقال: الامتثال شرط الثواب، وشرط انتفاء الإثم يكفى فيه عدم الفعل، وعلى الثانى وهو أن المكلف به عدم الفعل يكون من لم يفعل المنهى آتيا بمقتضى النهى، ولكن لا بد من الثواب من النية المستلزمة للشعور، ثم قولهم: إن كف دواعى النفس يحصل بشغلها بالضد يبطل بمن لا داعية له كالأنبياء، وأيضا حاصل كف الدواعى عدم العمل بمقتضاها بسبب التلبس بالضد، وذلك هو حاصل القول الأخير فقد عاد الأمر إلى أنه لا قدرة فى النهى بسبب التلبس بالضد مطلقا، والإثم ساقط بعدم التلبس بالفعل المنهى ولو بلا شعور، والثواب لا بد فيه من النية على كلا القولين، ولذلك قيل: إن القول الأول قريب من الثانى، وإن الخلف بينهما ما لا تظهر له ثمرة بينة - تأمله - ثم مثل للغير الذى تستعمل له صيغة النهى بقوله (كالتهديد) أى: التخويف والتوعد، وذلك (كقولك لعبد) لك (لا يمتثل أمرك لا تمتثل أمري) أى: اترك أمرى، وإنما كان تهديدا للعلم الضروري بأنك لا تأمره بترك امتثاله أمرك؛ لأن المطلوب من العبد الامتثال لا عدمه، ودل على التوعد استحقاقه العقوبة بعدم الامتثال، والتهديد خبر فى المعنى، إذ كأنه قال سترى ما يلزمك على ترك الأمر، والعلاقة بين النهى والتهديد استلزام النهى