مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

النهى

صفحة 513 - الجزء 1

  للوعيد، ومن جملة ما تستعمل فيه الصيغة لغير ما تقدم الدعاء، بأن تكون من الأدنى إلى الأعلى كقولنا: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا}⁣(⁣١) والالتماس بأن تكون من المساوى كقولك «لا تعص ربك أيها الأخ، والعلاقة مجرد الطلب، فهى من استعمال ما للأخص الذى هو طلب الكف استعلاء فى الأعم الذى هو مطلق الطلب. (وهذه الأربعة) يعنى التمنى والاستفهام والأمر والنهى (يجوز تقدير الشرط بعدها) فيؤتى بالجواب بعدها مجزوما بإن المقدرة مع الشرط، وذلك لأن الأربعة تشترك فى الطلب حقيقة، وطلب الشيء يشعر بأنه إنما طلب لأمر يترتب عليه غالبا، وأما كونه مطلوبا لذاته فنادر، فيكون مضمون متعلق الطلب بناء على الغالب سببا فى ذلك المترتب، فصح تقدير ذلك المضمون شرطا ليكون ما ذكر بعده جوابه؛ لأن الشرط اللغوى سبب فى المعنى، فيخرج ذلك الجواب بذلك المقدر، وهو الذى مر عليه المصنف، وقيل: الجواب مجزوم بنفس متعلق الطلب؛ لأنه فى معنى الشرط من غير حاجة لتقدير شرط أصلا، وقيل مجزوم به لنيابته عن ذلك والشرط، وهما متقاربان، وإنما قال: يجوز؛ لأنه يجوز أن يرفع ما بعدها على الاستئناف، ولو صح كونه جوابا، ثم الشرط المقدر إما نفس مضمون المذكور، وإما لازمه، وقد مثل لما قدر فيه اللازم فى التمنى بقوله (كقولك) فى التمنى (ليت لى مالا أنفقه) بجزم أنفق، فالتمنى وهو أن يكون له المال هو الذى يقدر فيه الشرط، لكن لما كان وجود المال بالأرزاق عبر عنه به فقال فى تفسير الشرط (أى إن أرزقه أنفقه) وهو ظاهر (و) كقولك فى الاستفهام: (أين بيتك أزرك) ولما كان المراد من الاستفهام تعريف المسئول عنه، وهو مكان البيت، حتى كأنه يقول عرفنى مكان بيتك قدر الشرط من معنى التعريف فقال (أى إن تعرفنيه) أى: إن تعرفنى مكان بيتك أزرك فيه؛ لما تقدم أن المسئول عنه يكون سببا لما يترتب عليه، فهذا مما قدر فيه اللازم نظرا للمسئول عنه، وقد يقال: إنه قدر فيه نفس المسئول؛ لأن الاستفهام سؤال التعريف، أى: طلب التعريف (و) كقولك فى الأمر (أكرمنى أكرمك) وظاهر أن المقدر ههنا شرط من الإكرام، ولذلك قال فى تفسيره (أى إن تكرمنى أكرمك و) كقولك فى النهى (لا


(١) البقرة: ٢٨٦.