النداء
النداء
  (ومنها) أى: ومن أنواع الطلب (النداء) وهو طلب الإقبال حسا أو معنى بحرف نائب مناب ادعو، سواء كان ذلك الحرف ملفوظا كيا زيد، أو مقدرا (ك {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا})(١) ولا يجزم الفعل بعده جوابا؛ لأن مفاد الحرف ومدلوله أدعو، وأما الإقبال فهو مطلوب باللزوم؛ لأن الإنسان إنما يدعى للإقبال فليس فيه ما هو كالتصريح بالشرط كما فى الطلب السابق، بخلاف ما لو صرح بالفعل، فقيل: أقبل، جاز جزم الفعل بعده جوابا بأن يقال - مثلا - أعلمك، وهذا مما يعلم به أن الشيء الضمنى ليس كالصريح، وأيا وهيا من حروفه للبعيد، وقد ينزل القريب كالبعيد لغفلة أو نوم، أو لتنزيل المنادى منزلة ذى غفلة لعظم الأمر المدعو له حتى كأن المنادى غافل فيه مقصر، فيستعملان له فتقول - مثلا - هيا فلان تهيأ للحرب عند حضوره، وأى والهمزة منها للقريب، وقد ينزل البعيد كالقريب، لحضوره فى القلب، فصار كالمشهود الحاضر كقوله:
  أحبيب القلب عنى لا تزول
  وأما يا منها فقيل: تكون لهما معا وقيل مختصة بالبعيد، فلا تستعمل فى القريب إلا لتنزيله منزلة البعيد، إما لاستبعاد الداعى نفسه عن حال المنادى كقولنا: يا الله، مع أنه أقرب إلينا من حبل الوريد، إما لاستعظام الأمر المدعو له، حتى كان المنادى مقصر فى أمره غافل عنه - كما تقدم - كقولك: يا هذا قم على لسان الجد فى أمر ربك، ولو كان المنادى كذلك، وإما للحرص على إقباله فصار إقبال المنادى كالبعيد؛ لأن النفس إذا اشتد حرصها على الشيء صارت كل ساعة قبل وقوعه فى غاية البعد، فتقول: يا غلام بادر بالماء فأنا عطشان، وإما لبلادته فكأنه بعيد لا يسمع، فتقول: تنبه أيها الغافل، وإما لانحطاط شأنه فكأنه بعيد عن مجلس الحضور، فتقول: من أنت يا
(١) يوسف: ٢٩.