مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الوصل بغير الواو من حروف العطف

صفحة 530 - الجزء 1

  وأما «لا» فهى لنفى الحكم عما بعدها ولا يكون إلا مفردا أو بمنزلته، فإذا قلت: جاء زيد لا عمرو أفادت نفى المجيء الثابت لزيد عن عمرو، وذلك كاف فى حسن الكلام وانتظامه فلا يطلب فيه شيء آخر بشهادة الاستعمال والذوق.

  وأما «أو وأما» التى بمعناها عند مصاحبة الواو فمعانيهما المعلومة كافية فى الإفادة من الشك، والإبهام، والتخيير، والتقسيم، والإباحة، سواء فى ذلك الجمل والمفردات؛ لأن المعنى المراعى فيهما واحد فى الأمرين، وإذا استعملت «أو» مثلا فى الإضراب فهى لاستئناف كلام آخر لا عاطفة، كما فى قوله تعالى: {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}⁣(⁣١) فيخرج عن هذا الباب.

  وأما «لكن» فهى لإثبات الضد وذلك كاف فى الحسن كما تقدم فى «لا» وكذا «بل» حيث كانت عاطفة فهى فى الجمل لتقرير مضمونها، وفى المفردات لتقرير الحكم بعد الإثبات والأمر، ولإثبات الضد بعد النفى والنهى، وذلك أيضا كاف بشهادة مواقع الاستعمال والذوق.

  وأما «الفاء وثم» فهما ولو شاركتا الواو فى مطلق الجمع لكن لكل منهما معنى خاص إذا وجد فى التركيب كفى، فالفاء للتعقيب، وثم للمهلة (نحو): قولك (دخل زيد فخرج عمرو أو) دخل زيد (ثم خرج عمرو) فقوله (إذا قصد التعقيب) عائد للعطف بالفاء وقوله (أو) قصد (المهلة) عائد لثم هذا أصلهما وقد تكون الفاء للتعقيب الذكرى كقوله تعالى {ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}⁣(⁣٢) وفيه عطف مفصل على مجمل كما فى قوله تعالى {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ}⁣(⁣٣).

  أما وجهه فى الأول: فهو أن ذكر الشيء يناسبه إجراء مدحه أو ذمه سواء كان حكم مدحه أو ذمه متقدما فى نفس الأمر، أو متأخرا.


(١) النحل: ٧٧.

(٢) الزمر: ٧٢.

(٣) الأعراف: ٤.