مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الفصل لكمال الاتصال

صفحة 546 - الجزء 1

  عنه بالمصدر فقيل: «هو هدى» ولم يقل «هو هاد» كما يقال: «رجل عدل» مبالغة فى العدل حتى كأنه نفس العدل (وهذا) المدلول لجملة «هو هدى» وهو بلوغ الكتاب للنهاية فى الهداية، حتى صار كأنه نفس الهداية (هو معنى) قوله تعالى (ذلك الكتاب) بناء على أنه جملة مستقلة؛ (لأن معناه) أى: ذلك الكتاب (كما مر) أى: كما تقدم آنفا فى تفسير المراد منه أنه هو (الكتاب الكامل)، ولما أريد إثبات نهاية كماله عرف الجزآن ليفيد الحصر، وأن كمال غيره بالنسبة إليه كلا كمال؛ لأن ذلك وسيلة للهداية وإنما قلنا المراد كماله فى الهداية لا كمال آخر؛ (لأن) حصر الكمال فيه المستفاد من تعريف الجزأين مبالغة يفيد نفى الكمال عن غيره، وإنما يعتبر فى مقابلته ما هو من جنسه من الكتب السماوية، وقد تقدم أن ذلك من الملك الأعظم، فلا يكون فيه نقص وسوء أدب، وإذا كان المعتبر فى مقابلته لتحقيق الحصر الكتب السماوية قال: (كتب السماوية بحسبها) أى: بحسب الهداية وقدرها يقال: افعل هذا بحسب عمل فلان أى: على عدده وقدره، (تتفاوت) يتعلق به بحسبها والتقديم للحصر، أى: لا تتفاوت الكتب السماوية إلا بحسب

  الهداية؛ لأن الغرض من الإنزال فى الأصل هو الهداية إلى الحق، فينبنى على ذلك كل غرض آخر دنيوى أو أخروى، وقوله (فى درجات الكمال) لا يخلو من إطناب قريب من الحشو؛ لأن المراد كما تقدم الكمال فى الهداية فكأنه قال: إنما تتفاوت بحسب الكمال فى الهداية فى درجات الكمال فى الهداية إلا أن يراد بها مطلق الكمال والشرف فى العقول، تأمله.

  وإذا كان التفاوت فى الهداية وجب حمل الكمال على الكمال فى الهداية، ولما كان مدلول ذلك الكتاب أنه الكتاب لا غيره، وظاهره محال، بل الغرض وصفه بالكمال فى الهداية، ومدلول هو هدى أنه نفس الهدى، وهو محال أيضا، وإنما الغرض كونه كاملا فى إفادة الهداية اتحدا فى عدم إرادة الظاهر وفى إرادة الكمال فى الهداية؛ فلهذا صار هو هدى كالتأكيد اللفظى (فوزانه) أى: فمرتبته بالنسبة لذلك الكتاب، (وزان) لفظ (زيد) الثانى (فى) قولك: (جاء زيد زيد) فى اتحاد المعنى لدفع توهم الغلط والسهو؛ لأن التأكيد اللفظى إنما يؤتى به لدفع توهم السامع أن ذكر زيد الأول على