مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الفصل لكمال الاتصال

صفحة 552 - الجزء 1

  قوله «ارحل» من أنه لم يوضع لذلك، وكذا لا تقيمن، وإنما وضع للنهى عن الإقامة لكن يكون مع قصد الكراهة دائما باعتبار الاستعمال العرفى، ويدل على الكمال فى الكراهة التأكيد بالنون فإنك إنما تقول: لا تقيمن عندى إذا أردت ارتحاله، وبعده على وجه الكراهية الشديدة، لا على وجه مطلق النهى الصادق بعدم المبالاة بالإقامة.

  والحاصل أن الغرض من قوله «ارحل ولا تقيمن» إظهار الكراهية على وجه الكمال لا مطلق كفه عن الإقامة الصادق بعدم الكراهية، بل الكراهية هى المقصودة بالذات سواء وجد معها ارتحال، أو لم يوجد لعارض، كما إذا منع منها مانع، والدليل على ذلك فى ارحل الاستعمال الغالب مع قوله «وإلا فكن إلخ» وفى «لا تقيمن» الاستعمال العرفى دائما مع زيادة نون التوكيد وقوله وإلا فكن إلخ، ولما كانت دلالة لا تقيمن على هذا المقصود أوفى لما ذكر وهو مع ذلك ليس بعض مدلول ارحل ولا نفسه، بل هو ملابسه للملازمة بينهما صار بدل اشتمال منه (فوزانه) أى: فمرتبة لا تقيمن مع قوله ارحل (وزان) أى: مرتبة (حسنها) مع الدار (فى) قولك: أعجبتنى الدار حسنها وإنما قلنا: وزانه وزان حسنها (لأن عدم الإقامة) الذى هو مطلوب بلا تقيمن (مغاير) كما ذكرنا (للارتحال) الذى هو مطلوب بقوله: ارحل فلا يكون تأكيدا لفظيا ولكن هذا لا يخرج التأكيد المعنوى وإنما الذى يخرج به عنه كون الثانى أوفى كما أشرنا إليه؛ لأن التأكيد المعنوى لدفع توهم التجوز، لا لمجرد الإفادة على وجه يكون فيه المفيد أوفى (و) هو أيضا (غير داخل فيه) فلا يكون بدل بعض وهو ظاهر، بناء على أن الأمر بالشيء لا يتضمن النهى عن الضد، وهو الأقرب وإلا ففيه بحث.

  (مع ما بينهما) أى: بين مدلول الثانية والأولى، من عدم الإقامة والارتحال (من الملابسة) اللزومية، كما أشرنا إليه فيما تقدم أيضا، فكان بدل اشتمال، وقد علم مما أشرنا إليه من أن قوله: «ارحل ولا تقيمنّ» لا يدل كل منهما على كمال إظهار كمال الكراهية؛ بالوضع أن محل الوفاء وعدمه، هنا هو ما يقصد من الجملة عرفا لا مدلولها، ولو كان تسميتها بالبدل الاشتمالى، باعتبار أن مدلولها ليس بعضا ولا كلا، كما قرر المصنف، وقد تقدم وجه عدم اعتباره البدل الكلى فى الجمل التى لا محل لها من