مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

إيجاز الحذف

صفحة 641 - الجزء 1

  فقوله جلا نعت لموصوف محذوف (أى) أنا ابن (رجل جلا) أى: ظهر وانكشف أمره واتضح بحيث لا يجهل، أو كشف معالى الأمور وبينها، فعلى الأول لا يكون متعديا وعلى الثانى لا يكون لازما، والثنايا جمع ثنية وهى العقبة، والمراد بكونه طلاع الثنايا ركوبه صعاب الأمور لقوة رجوليته ورفعة همته وشدة شكيمته، فلا يميل إلى الأمور المنخفضة لأن المعالى لا تكتسب إلا من الصعاب يقال: هذا رجل طلاع الثنايا أى: ركاب صعاب الأمور وقوله: متى أضع العمامة تعرفونى، يحتمل متى أضع على رأسى عمامة الحرب - وهى البيضة أو المغفر - تعرفونى وشجاعتى ولا تنكروا تقدمى وغناى عنكم، ويحتمل متى أضع العمامة عن وجهى الساترة له عرفتمونى، ولا تجهلوا وجهى لشهرتى وهذا بناء على أن جلا جملة من فعل وفاعل حذف موصوفه بناء على أن حذف الموصوف بالجملة يجوز من غير اشتراك كون الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو بفى، كقولك: ما منهم تكلم، أو ما فيهم نجا أى: ما منهم أحد تكلم وما فيهم أحد نجا. كما شرطه بعضهم، وأما إذا بنينا على اشتراطه فجلا يؤول كما قيل على أنه اسم رجل نقل مع ضميره المستكن وسمى به، إذ لو نقل بلا ضمير لصرف، لأن الوزن لا يختص بالفعل، وفيه على الوجه الأول - أيضا - ما يدل على أن الموصوف بالجملة لا يشترط كونه مرفوعا كما قيل (أو) جزء جملة (صفة نحو) قوله تعالى: ({وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً})⁣(⁣١) فقوله سفينة موصوف بصفة محذوفة (أى) يأخذ كل سفينة (صحيحة ونحوها) أى: ونحو هذه الصفة، بمعنى أن المقدر إما صحيحة وإما نحو ذلك مما يؤدى هذا المعنى كصالحة وسالمة، وغير معيبة وجيدة ونحو ذلك، وإنما قلنا إن الوصف محذوف (بدليل ما قبله) وهو قوله {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها} لأنه يدل على أن تعييبها مانع من أخذ الملك إياها فيفهم أنه إنما يأخذ السالمة؛ لأنه لو كان يأخذ كلا من المعيبة والسالمة لم تكن فائدة لعيبها (أو) جزء جملة (شرط) فإن حذف الشرط جائز (كما مر) فى آخر باب الإنشاء فى قوله.


(١) الكهف: ٧٩.