[(و) الضرب الثاني من الإيجاز (إيجاز الحذف)]
  وهذه الأربعة يجوز تقدير الشرط بعدها فيكون الفعل بعدها مجزوما بذلك الشرط المقدر كقولك فى التمنى منعها: ليت لى مالا أنفقه. أى: إن أرزقه أنفقه، وفى الاستفهام: أين بيتك أزرك؟ أى: إن تعرفنيه أزرك، فهذا مما حذف فيه الشرط (أو) جزء جملة (جواب شرط) ثم حذف جواب الشرط (إما) أن يكون (لمجرد الاختصار) فرارا من العبث لظهور المراد وذلك (نحو) قوله تعالى: ({وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ})(١) مما قد يحصل من عذاب الدنيا كما فعل بغيركم ({وَما خَلْفَكُمْ}) مما يكون وراء موتكم ووراء بعثكم من عذاب الآخرة ({لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}) بإنجائكم من العذابين، فهذا شرط حذف جوابه (أى أعرضوا) وإنما قلنا إن أعرضوا جوابه (بدليل ما بعده) وهو قوله تعالى: {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ}(٢) ولا تخفى دلالته على ذلك الجواب.
  قيل الفرق بين حذف الجواب هنا حيث جعل من الإيجاز وبين حذفه فى قوله:
  وإن خلت أن المنتأى عنك واسع(٣)
  حيث جعل ذكر الجواب فيه من التطويل، أن الجواب هنالك دل عليه متقدم فأغنى عرفا عن إعادته وهنا دل عليه متأخر فانظره (أو للدلالة) أى حذفه إما لمجرد الاختصار وإما للدلالة (على أنه) أى: جواب الشرط (شيء) عظيم (لا يحيط به الوصف) أى: لا يحصره وصف واصف بحيث يكون فوق كل ما يذكر فيه من الوصف وذلك عند قصد المبالغة لكونه أمرا مرهوبا أو مرغوبا فى مقام الوعيد أو الواعد، والقرائن تدل على هذا المعنى ويلزم من كونه بهذه الصفة فيما يظهره المتكلم ذهاب نفس السامع إن تصدى لتقديره كل مذهب، فما من شيء يقدره فيه إلا ويحتمل أن يكون أعظم من ذلك.
(١) يس: ٤٥.
(٢) يس: ٤٦.
(٣) عجز بيت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (١٦٦)، وهو النابغة بن النعمان وصدره.
فإنك كالليل الذى هو مدركى ..