مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

[(و) الضرب الثاني من الإيجاز (إيجاز الحذف)]

صفحة 643 - الجزء 1

  وهذان المعنيان أعنى كونه لا يحيط به الوصف وكون نفس السامع تذهب فيه كل مذهب فتتحير مفهومهما مختلف ومصدوقهما متحد قد يقصدهما البليغ معا، وقد يخطر له أحدهما فقط ولتباينهما مفهوما عطف الثانى أبو فقال (أو لتذهب نفس السامع) فى تقديره (كل مذهب ممكن) فيحصل الغرض من كمال الترغيب أو الترهيب ولا تفاقهما مصدوقا مثل لهما معا بمثال واحد فقال (مثالهما) قوله ({وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ})⁣(⁣١) فهذا شرط حذف جوابه، إظهارا لكونه لا يحيط به الوصف، أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن، وتقديره: لرأيت أمرا فظيعا مثلا. وهو يحتمل أن يكون مثالا لهما على البدلية، أو مثالا لاجتماعهما حيث تقصد إفادتهما معا، ثم تقدير الجواب بما ذكر فيه شيء وهو أن عظمة الجواب وفظاعته موجودة ولو مع التصريح وقد يجاب بأن الجواب شيء مخصوص حذف لإظهار فظاعته، وتهويل السامع، وأما ما ذكر فهو تقدير معنوى، فإن السيد إذا قال لعبده: والله لئن قمت إليك يا فاجر. وسكت عظم عليه الأمر، وذهبت نفسه كل مذهب فى التقدير. ومعلوم أن الجواب الذى يقدره السيد عذاب مخصوص، حذفه لما ذكر ثم ما ذكر المصنف من أن حذف الجواب يكون لأجله لا يختص به بل يحذف لغير ذلك كاختبار تنبه السامع واختبار مقدار تنبهه ونحو ذلك كتخييل العدول إلى أقوى الدليلين، كما تقدم أول الكتاب بالنسبة إلى أحد الركنين (أو غير ذلك) هو عطف على مضاف أى: المحذوف، إما أن يكون جزء جملة هو مضاف أو كذا وكذا أو يكون جزء جملة غير ذلك.

  وقد تقدم أن المراد بجزء الجملة هنا ما يعم الفضلة وأحد المسندين وغير ما ذكر كالمسند إليه والمسند والمفعول غير المضاف، كما مر ذلك فى الأبواب السابقة، وكالمعطوف مع حرف العطف (نحو) قوله تعالى: ({لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ})⁣(⁣٢) فهذا الكلام ذكر فيه المعطوف عليه، وحذف المعطوف (أى ومن أنفق من بعده وقاتل) والمعطوف عليه هو من أنفق من قبل الفتح، والمعطوف المحذوف


(١) الأنعام: ٢٧.

(٢) الحديد: ١٠.