مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

[(و) الضرب الثاني من الإيجاز (إيجاز الحذف)]

صفحة 644 - الجزء 1

  هو من أنفق من بعده، كما قرر (بدليل ما بعده) أى: ما بعد هذا الكلام وهو قوله تعالى: {أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ}⁣(⁣١) فإنه دليل على أن الذى لا يساوى الإنفاق قبل الفتح هو الإنفاق من بعده لبيان أن الإنفاق الأول أعظم (وإما جملة) عطف على قوله: إما جزء جملة أى: المحذوف إما جزء جملة، وإما جملة تامة.

  وأراد بالجملة ما يستقل بالإفادة بحيث لا يكون جزأ من كلام آخر لا ما يتركب من الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر مطلقا، ولو كان فى تأويل المفرد والدليل على هذه الإرادة كونه عد من أجزاء الجملة الشرط والجزاء، فإنهما يتركبان من الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، ومع ذلك جعلهما جزء جملة فدل ذلك على أن مراده ما يستقل بالإفادة ويحسن السكوت عليه، ولو عرض له فى الحالة الراهنة ترتيبه بالفاء أو ترتب شيء عليه.

  (مسببة) نعت الجملة أى: إذا كان المحذوف جملة فتلك الجملة إما أن يكون مضمونها مسببا (عن) سبب (مذكور) وذلك (نحو) قوله تعالى: ({لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ})⁣(⁣٢) فإحقاق الحق وإبطال الباطل المذكور سبب حذفت جملة قبله، مضمونها مسبب عنه (أى فعل ما فعل) من تقوية المؤمنين ونصرتهم، وتضعيف الكافرين وخذلانهم، لهذا السبب وهذه الغاية التى هى إحقاق الحق أى: إثبات الحق الذى هو دين الإسلام، وإبطال الباطل الذى هو دين الكفر.

  (أو سبب المذكور) أى: وإما أن يكون مضمون تلك الجملة المحذوفة سبب المذكور فهو عطف على قوله مسببة، فهو نعت إذ هو فى تأويل مسبب بكسر الباء، يعنى أن الجملة المحذوفة إما أن تكون مسببة عن مذكور كما تقدم أو تكون مسببة لمذكور (نحو) قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ}⁣(⁣٣) (فانفجرت) أى: فضربه بها فانفجرت.


(١) الحديد: ١٠.

(٢) الأنفال: ٨.

(٣) البقرة: ٦٠.