مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

[(و) الضرب الثاني من الإيجاز (إيجاز الحذف)]

صفحة 645 - الجزء 1

  فقوله تعالى {فَانْفَجَرَتْ} جملة مذكورة حذفت قبلها جملة مضمونها سبب لمضمون هذه المذكورة وهذا (إن قدر فضربه بها) كما قدرنا فيكون قوله فضربه جملة مضمونها سبب لمضمون فانفجرت، وهو مذكور وهو جائز فيصح التمثيل (ويجوز أن يقدر) الكلام على وجه آخر فلا يكون مما نحن فيه، وذلك بأن يجعل فانفجرت جوابا لشرط محذوف فيكون التقدير (فإن ضربت بها فقد انفجرت) وعلى هذا التقدير يكون هذا الكلام مما حذف فيه شرط، وهو جزء الجملة كما تقدم لا جملة تامة، ولكن كون الجواب ماضيا ينافى استقبال الشرط الذى هو الأصل فإما أن يؤول على معنى المضارع فى مضمونه بنفسه، أو يؤول على تقدير الحكم كما قال ابن الحاجب ترتب الجواب على الشرط إما باعتبار معناه ك «إن» قام زيد يقم عمرو وإما باعتبار الحكم ك «إن» تعتد على بإكرامك الآن فقد أكرمتك بالأمس أى: فاحكم الآن بإكرامك أمس أى: فأثبت إكرامى لك معتدا به، ولهذا قالوا فيما تحقق مضيه كقوله تعالى: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}⁣(⁣١) أنه على تأويل، فهو يساوى أخا له من قبل أى، فنحكم بمساواة أخيه فى السرقة الكائنة منه قبل وهذه الفاء أعنى: الفاء فى نحو (فانفجرت) مما يقتضى الترتيب تسمى فصيحة، لإفصاحها بما يقدر قبلها قيل: يجب إن سميت فصيحة أن تكون عاطفة على محذوف كما فى التأويل الأول، وقيل: إنما تسمى فصيحة على تقدير الشرط لإفصاحها أى: دلالتها على الشرط، وقيل: تسمى بذلك على التقديرين أعنى: تقدير الشرط، وتقدير المعطوف عليه (أو غيرهما) معطوف على قوله مسببة أى: إما أن تكون الجملة المحذوفة مسببة أو سببا، أو تكون غير المسببة.

  والسبب (نحو) قوله تعالى: {فَنِعْمَ الْماهِدُونَ}⁣(⁣٢) فإن هذا الكلام حذفت فيه جملة ليست مسببة ولا سببا والتقدير هم نحن (على ما مر) فى بحث الاستئناف من أنه حذف فيه المبتدأ والخبر على قول من يجعل المخصوص بالمدح خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف.


(١) يوسف: ٧٧.

(٢) الذاريات: ٤٨.