وجها الحذف:
  وأما على قول من يجعل المخصوص مبتدأ والجملة قبله خبر فالكلام مما حذف فيه جزء الجملة (وإما أكثر) أى: المحذوف إما جزء الجملة أو الجملة، وإما أكثر من الجملة الواحدة ومن جزئها، فهو معطوف على قوله إما جزء الجملة ومعلوم أن كونه أكثر من الجملة يستلزم كونه أكثر من جزئها، وإنما ذكرناه زيادة للبيان (نحو) أى.
  ومثال ما حذف فيه أكثر من جملة واحدة قوله تعالى حكاية عن صاحب السجن لما ذكر الملك رؤياه فتذكر صاحب السجن يوسف وأنه يعبرها ({أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ٤٥ يُوسُفُ})(١) فإن هذا الكلام حذف فيه أكثر من جملة واحدة، لا يستقيم المعنى إلا به، ثم أشار إلى تقديره بقوله (أى) فأرسلون (إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال يا يوسف) فقد ظهر أن هنا جملا عديدة بمتعلقاتها ودليل المحذوف ظاهر؛ لأن نداء يوسف يقتضى أنه وصل إليه وهو متوقف على فعل الإرسال والإتياء إليه ثم النداء محكى بالقول والإرسال معلوم أنه إنما طلب للاستعبار فحذف كل ذلك للاختصار للعلم بالمحذوف، لئلا يكون ذكره تطويلا لعدم ظهور الفائدة فى ذكره مع العلم به.
وجها الحذف:
  ثم أشار إلى أن الحذف إما مع قيام شيء مقام المحذوف وإما بدون ذلك فقال: (والحذف) يعنى لجزء الجملة بدليل المثال، مع أن قيام الشيء مقام غيره يستدعى أن للمحذوف محلا (على وجهين) أى: يكون ذلك الحذف على وجهين:
  أحد الوجهين اللذين يكون الحذف عليهما هو:
الأول
  (أن لا يقام شيء مقام) شيء من (المحذوف) بأن لا يوجد شيء يدل عليه ويستلزمه فى مكانه، بل يكتفى فى فهم المحذوف بالقرينة اللفظية أو الحالية (كما مر) فى الأمثلة السابقة مثل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ}(٢) إذ
(١) يوسف: ٤٥.
(٢) الحديد: ١٠.