الثاني
  لم يعطف عليه شيء يدل على المعطوف المحذوف، الذى هو ومن أنفق من بعده وكذا (أنا ابن جلا) إذ لم يذكر موصوف ينزل منزلة الموصوف المحذوف.
الثانى
  (و) الوجه الثانى مما يكون معه الحذف هو: (أن يقام) شيء مقام المحذوف مما يدل عليه ويستلزمه متعلقه أو مضمونه وذلك (نحو) قوله تعالى: ({وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ})(١) فقوله تعالى: {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} أقيم مقام الجواب واتصل بالفاء مثل الجواب، وليس جوابا؛ لأن الجواب يترتب مضمونه على مضمون الشرط، وتكذيب الرسل سابق على التكذيب الذى هو مضمون الشرط هنا، وإنما هو نائب عن الجواب لدلالته عليه لكونه سببا فى متعلق مضمون الجواب أى: (فلا تحزن واصبر) فإن نفى الحزن والصبر، متعلق النهى والأمر اللذين أحدهما هو الجواب.
  وفهم من قولنا مما يدل عليه ويستلزمه متعلقه أو مضمونه أن الذى يقام مقام المحذوف لا يكون أجنبيا بحيث لا يدل عليه ولا يقتضيه وهو ظاهر من المثال.
أدلة تعيين المحذوف
  (وأدلته) أى: أدلة الحذف (كثيرة منها) أى: من أدلته
أن يدل العقل على الحذف والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف
  (أن يدل العقل عليه) أى: على الحذف (و) يدل (المقصود الأظهر) أى: كون الشيء مقصودا أظهر (على تعيين المحذوف) وهو لفظ ذلك المقصود الأظهر وذلك (نحو) قوله تعالى: ({حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ})(٢) فإن مدلوله تحريم ذوات الميتة، والعقل يحكم بأن الظاهر لا يراد لما علم أن الأحكام الشرعية لا تتعلق بالذوات والأعيان، وإنما تتعلق بأفعال المكلفين، فوجب أن يكون فى الكلام حذف. فإما أن يقدر «حرم عليكم أكلها والانتفاع بها أو تناولها أو التلبس بها أو قربانها أو نحو ذلك» والمقصود الأظهر مما يقدر هنا التناول الشامل للأكل والشرب لا لألبانها.
(١) فاطر: ٤.
(٢) المائدة: ٣.