مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الوجه الثامن: الاعتراض

صفحة 679 - الجزء 1

  الواقع بين الكلامين (أكثر من جملة) واحدة (أيضا) يعنى أنه أكثر من جملة كما أن الواقع ذلك الاعتراض فى أثنائه أكثر من جملة واحدة.

  (قوله تعالى) هو مبتدأ خبره المجرور الذى هو قوله ومما جاء أى: ومن جملة الاعتراض الآتى على الوصف المذكور ما جاء فى قوله تعالى: ({فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ})⁣(⁣١) فقوله تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، اعتراض بين كلامين أحدهما قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} وثانيهما قوله: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وهما متصلان على ما سنبين الآية وهذا الاعتراض أكثر من جملة لأن {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} جملة أخرى، بناء على أن المراد بالجملة، ما اشتمل على المسند والمسند إليه ولو كانت الثانية فى محل المفرد هنا إذا قدر كما هو الظاهر، أنها معطوفة على جملة {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} وأما إذا بنينا على أن المراد بالجملة، وهو الأقرب ما يستقل بالإفادة فإنما يتبين كونه أكثر من جملة إذا قدر عطف {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} على مجموع {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} إما بتقدير الضمير على أنه مبتدأ أى: وهو يحب المتطهرين، أو بدون تقديره، لأنها ليست فى محل مفرد حينئذ ولو احتوت على ضمير عائد على ما فى الأولى وأما إذا قدر على هذا البناء عطفها على يحب التوابين، فلا يخفى أنه ليس هنا جملتان وإنما قلنا إن جملة فأتوهن من حيث أمركم الله مع جملة نساؤكم حرث لكم كلامان متصلان؛ لأن الثانية بيان للأولى وإلى ذلك أشار بقوله (فإن) أى: إنما كانا متصلين؛ لأن (قوله: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}) يفيد الإخبار عن النساء بأنهن ملحقات بمحل الحراثة الحسية فى طلب ما ينمو ومنهن بإلقاء ما هو كالبذر، وفى كونهن أصلا لذلك النمو وتلك النشأة، وفى ذلك تنبيه على الغرض الأصلى منهن، وهو طلب الغلة منهن وهو النسل، كما تطلب الغلة من المحرث الحسى فإذا فهمت الحكمة الأصلية وهى طلب النسل، الذى هو أهم الأمور منهن لما فيه من بقاء النوع الإنسانى المترتب عليه تكثير خيور الدنيا والآخرة، فهمت أن الموضع الذى يطلب منه ذلك


(١) البقرة: ٢٢٢، ٢٢٣.