الوجه الثامن: الاعتراض
  النسل هو الذى يطلب الإتيان منه شرعا لتلك الحكمة، فلزم من هذا الكلام فأتوهن من مكان الحرث وهو أن مكان الحرث معلوم، وهذا المفهوم من هذا الكلام (بيان لقوله) تعالى ({فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ}) لما فيه من الإجمال؛ لأن حيثية الإتيان فيه مبهمة فيكون تعلق الأمر بالإتيان من تلك الحيثية مبهما. وقد فسر بهذا اللازم وهو فأتوهن من مكان الحرث، فهذا الكلام باعتبار هذا اللازم له بيان للأول فيكون متصلا معه وهو حينئذ إما أن يجعل عطف بيان له حقيقة بناء على جواز وروده فى الجمل التى لا محل لها، أو يجعل مثله فى إفادته ما يفيد كما تقدم فى باب الفصل والوصل، وإذا كان متصلا معه كان ما بينهما وهو قوله تعالى {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} اعتراضا والنكتة فيه الترغيب فيما أمروا به الذى من جملته الإتيان من مكان الحرث والتنفير عما نهوا عنه الذى من جملته إتيانهن من غيره؛ لأن الإخبار بمحبة الله للتائب عما نهى عنه إلى ما أمر به والمتطهر من أدران الالتباس بالمنهى بسبب التلبس بالتوبة إلى المأمور مما يؤكد الرغبة فى الأوامر وترك النواهى.
  ومن جملة نكت الاعتراض زيادة تأكيد فى أمر متعلق للشيئين بالنسبة لأحدهما، لمزيد أولوية ذلك الأحد منهما. كما فى قوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ}(١) ف {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ} باعتبار الوالدين بيان وتفسير لوصينا الإنسان بوالديه وجملة: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} اعتراض يفيد تأكيد شكر الوالدة وهى أحد الأمرين المتعلق بهما التوصية بالشكر لدلالته على أن الوالدة لها مزيد التعلق به، وشدة الارتباط بمشقة القيام به، فاستحقت بذلك أولويتها بالشكر قضاء لحقها وأداء لشكر فعلها، وفى عطف شكر الوالدين على شكره تعالى إيماء إلى أن شكر الوالدين متأكد على حقوق سائر العباد وأن شكره تعالى أوكد من كل حق، وأحق أن يقدم حتى على الحق الذى يحمل عليه غالب الشفقة والرحمة.
  ومن نكت الاعتراض: الاستعطاف والمطابقة كما فى قول أبى الطيب:
(١) لقمان: ١٤.