الوجه الثامن: الاعتراض
  وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتى لرأيت فيه جهنما(١)
  فإن يا جنتى اعتراض بين الشرط والجواب، للمطابقة بين الجنة وجهنم ولاستعطاف محبوبه بالإضافة إلى الياء وتسميته جنة ليرق له فينجيه من جهنم، التى فى فؤاده بالوصال.
  ثم إن النسبة المبينة للاعتراض باعتبار الألقاب السابقة إنما هى بالنسبة لما قاله قوم فى تفسيره، وهو الذى مر عليه المصنف آنفا، وأما إن اعتبرت نسبته فيما قاله فى تفسيره قوم آخرون، فلا يكون الأمر كذلك وإليه أشار بقوله: (وقال قوم قد تكون النكتة فيه) أى: فى الاعتراض (غير ما ذكر) آنفا والمذكور آنفا هو أنها تكون غير دفع إيهام خلاف المراد، وغير دفع الإيهام إنما يغايره نفس دفع الإيهام. فالنكتة فيه على هذا تكون نفس دفع الإيهام وتكون غيره (ثم) القائلون بتعميم النكتة فيه بمعنى أنها تكون دفع الإيهام كما تكون غيره افترقوا فرقتين (جوز بعضهم) أى: فرقة منهم (وقوعه) أى: وقوع الاعتراض (آخر) أى: فى آخر (جملة) من وصف تلك الجملة أنها (لا تليها جملة متصلة بها) أصلا بأن لا يؤتى بعد الاعتراض بجملة على أنها بدل، أو بيان أو تأكيد لما قبله أو عطف عليه، فيكون الاعتراض على هذا فى آخر الكلام بحيث لا تكون بعده جملة أصلا، أو تكون بعده، ولكن ليس بينها وبين ما قبلها اتصال معنوى أو لفظى، كما يكون بين كلامين متصلين معنى أو لفظا.
  وهذا الاصطلاح كما قيل مذكور فى مواضع من الكشاف فالاعتراض - على مذهب هذه الفرقة - يقال فى تعريفه: هو أن يؤتى فى أثناء الكلام أو فى آخره أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة سواء كانت دفع الإيهام أو غيره وزيادة قوله لنكتة على هذا التصوير لا للإخراج؛ لأن الإطناب كله لنكتة بخلاف التعريف السابق، فزيادة خصوص نكتة غير دفع الإيهام لإخراج ما ليس كذلك من أنواع الإطناب، وذلك ظاهر، وعلى هذا التعريف تكون نسبته لما تقدم مخالفة لنسبته له السابقة فأشار إلى بيان بعض تلك المخالفة فقال
(١) البيت لأبى الطيب المتنبى فى كتاب الإيضاح بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى ص (١٨٣).