شرح المغربي لمقدمة السعد على تلخيص المفتاح
  مجازا حقيقيا واستعارة بالكناية، وهو من الغريب الذى لا يكاد يوجد له مثال، وفى التعبير بمد العنق على الكتاب المضمن معنى العكوف عليه إشارة إلى شدة الاشتغال به كما تقدم فى تقليب الأحداق، فهذه الفقرة بمعنى التى قبلها، وإنما كان التقاصر وأخذ المنتحلين علة لطلب اختصار الكتاب؛ لأن فى اختصاره نفع المتقاصرين بإعطائهم مقدورهم وقمع المنتحلين بإطراح الناس بذلك المختصر مصنوعهم فينقمعون(١) عن الاشتغال بالانتحال لبطلان مرجوهم من ملاحظة الناس إياهم.
  (وكنت أضرب عن هذا الخطب) أى: عن هذا الأمر، وهو اختصار الكتاب يقال: أضرب عن كذا بمعنى أعرض عنه (صفحا) أى إعراضا، فيكون مفعولا مطلقا أو معرضا على أنه حال مؤكدة أو للإعراض على أنه مفعول لأجله، ولكن على هذا يجب أن يراد ما يصح علة للإعراض كثمرة الإعراض إذ لا يصح كون الشيء علة لنفسه، فيراد به مثلا هنا قطعا للجج القيل والقال؛ لأن التأليف لا يخلو صاحبه من ذلك، ولو أبدع فيه، وفى الإعراض قطع لذلك أو استجلابا للراحة؛ لأن فى الإعراض استجلاب ذلك فليتأمل (وأطوى دون مرامهم) أى: مطلوبهم (كشحا) والكشح هو ما من أسفل الخاصرة إلى الضلع الأسفل، وطيه معلوم، وعبر به عن لازمه عرفا، وهو عدم وصول صاحبه به إلى المطوى عنه، ثم استعمل فى مطلق الامتناع من الشيء مجازا مرسلا من التعبير بما هو لعدم الوصول لشيء مخصوص عن عدم الوصول مطلقا، ويحتمل أن يكون الكلام تمثيلا، وأنه شبه حاله من الامتناع من الشيء المطلوب بحال من طوى كشحه عن مماسة الشيء، فعبر بلفظ الثانى عن الأول، والمراد أنه ألغى النظر عن مطلوبهم ثم علل إلغاء النظر بقوله (علما منى ب) أن مطلوبهم وهو شرح يقع الاتفاق عليه فيترك غيره مما للمنتحلين كالمحال ل (أن مستحسن الطباع بأسرها) أى: بجميعها، والأسر فى الأصل حبل يربط به الأسير، ويقال: ذهب الأسير بأسره أى: بحبله، وإذا ذهب بأسره فقد ذهب بكليته، ثم كنى به عن الجميع مطلقا، (ومقبول الأسماع) قبولا آتيا، (عن آخرها) فيلزم عمومها لجميعها؛ لأن الإتيان عن الآخر فرع الإتيان عما قبله (أمر) خبر
(١) يقال: أقمعه: أى قهره وأذله فانقمع.