مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

شرح المغربي لمقدمة السعد على تلخيص المفتاح

صفحة 86 - الجزء 1

  مستحسن أى تركت ذلك لما علمت من أن ما يستحسنه الناس جميعا أمر (لا يسعه) أى: لا يقوم به (مقدور البشر) أى: لا يتناوله مقدور المخلوق (وإنما هو) أى: مستحسن جميع الناس (شأن خالق القوى والقدر) ولا يلزم من هذا القول بتأثير القدرة الحادثة كما يقول به من هذه عبارته فى الأصل، وهو الزمخشرى لجواز التعبير بذلك عند السنى عن الاستطاعة (و) منعنى أيضا عن مساعدتهم علمى ب (أن هذا الفن قد نضب) أى: غار⁣(⁣١) (اليوم ماؤه) ونضوب مائه عبارة عن ذهاب فائدته، شبه حال الفن فى انقطاع نتائجه بأصل يابس لنضوب مائه فأضمر التشبيه فى النفس استعارة بالكناية، وذكر نضوب الماء تخييل (فصار) عند متعاطيه (جدالا) أى: اختلافا ولغطا (بلا أثر) أى: بلا فائدة لعدم وقوف متعاطيه على حقائق أسراره فيتمشدقون بظواهره (وذهب رواؤه). بضم الراء: حسن منظره أو بفتحها بمعنى عذبه، وهو عبارة عن ذهاب حقائقه (فعاد) أى ذلك الفن (خلافا) أى: إنكارا أو احتجاجا (بلا ثمر) أى: بلا فائدة، وفيه لطف تشبيه الكلام فيه بشجر الخلاف، وهى لا ثمر لها وهى المسماة بالصفصاف (حتى طارت) أى انته به الأمر فى الاضمحلال إلى أن طارت (بقية آثار) أى: أبحاث (السلف) من العلماء (أدراج الرياح) أى: اضمحلت فلم يبق منها فائدة، والأدراج: جمع درج وهو الطريق، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق، أو ظرف أى: فى طريق الرياح أو طيران طريق الرياح وأراد بطريق الرياح حالها، وهو سرعة ذهابه بما طارت به، ومن لازم ذلك تلفه وعدم وجدانه، وهو المعبر عنه هنا مجازا مرسلا، وكثيرا ما يعبر بأدراج الرياح عن عدم وجدان فائدة الشيء بهذا الوجه، ومنه قولهم: «ذهب دمه أدراج الرياح» أى: ذهب هدرا ولم يترتب على دمه فائدة الأخذ بالثأر ولا غيرها (و) حتى (سالت بأعناق مطايا تلك الأحاديث البطاح) وهذه عبارة أيضا عن اضمحلال بقية السلف ويتوجه فى هذه العبارة أن يكون شبه الأحاديث فى تلك الأبحاث بقوم مسرعين السير حتى غابوا فى عدم الوجدان، والغيبة بعد الحضور بسرعة فأضمر التشبيه فى النفس كناية، وذكر المطايا والبطاح والأعناق تخييل، ويحتمل أن يكون الكلام تمثيلا وأنه شبه


(١) يقال: غار الماء أى: سفل في الأرض.