شرح المغربي لمقدمة السعد على تلخيص المفتاح
  حال الأبحاث فى ذهابها بالركب المسرعين فاستعمل تركيب الثانى للأول، وعلى هذا يكون ذكر الأحاديث تجريدا، وهذا مأخوذ من قوله:
  أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطى الأباطح(١)
  والأباطح: جمع أبطح وهو المكان المنبسط فيه دقاق الحصى، والمطى هى الإبل، ولما كان سيرها عند كثرتها يشبه سيل الماء فيه من جهة الاتصال والسرعة والحسن شبهوا سير الإبل فيه بالسيلان، ونسبوه للأعناق؛ لأن فيها تظهر السرعة، فهذا الكلام مجاز فى أصله، وتجوز به ثانيا بالاستعارة أو التمثيل كما قررنا فليفهم.
  (وأما الأخذ والانتهاب) هذا معطوف على مقدر إذ كأنه قال: أما ما ذكرتم من وضع الاختصار لعله يتفق عليه فينتفع به، فذلك مما يرغب فيه، ويحمل على الوضع لو لا أنى أعلم أن مستحسن الطباع غير ممكن من مخلوق عادة، مع علمى بترك الناس لهذا الفن، فصار التأليف فيه تضييعا للوقت لعدم وجدان المشتغلين، وأما دفع الأخذ، والانتهاب له فليس مما يحتمل على الوضع (ف) إنه (أمر يرتاح) أى: يطمئن (له اللبيب) ويفرح به، فلا يطلب قطعه بالاختصار لما فيه من الأجر والرفعة؛ لأن نسبة الآخذين من ذلك الشرح منا نسبة شارب وضيع لفضلة من هو أعلى كما قال:
  شربنا فأهرقنا على الأرض جرعة ... (فللأرض من كأس الكرام نصيب)
  وقد جعل المصنف الفاء مكان الواو للترتيب يعنى فنسبتهم منا نسبة الأرض من شارب ملأ الكأس؛ وبهذا يعلم أن الكلام حكاية على وجه الإشارة إلى التمثيل، ويحتمل أن يكون تمثيلا حقيقة وأنه شبه حاله معهم فى رفعته ودنوهم فى أخذ النفع القليل بحال الأرض مع الشاربين فاستعمل للحال الأول ما للحال الثانى إذ المعنى أنا لا نتغيظ من ذلك؛ لأن لهم من فضلتنا ما للأرض من كأس الشارب فليفهم ثم قال (وكيف ينهر) أى يطرد (عن) علومنا التى هى ك (الأنهار السائلون) نائب فاعل ينهر (ولمثل هذا) الأخذ (فليعمل العاملون) لما فيه من رفعة صاحبه علما ودينا أما علما: فلا يحتاج المنتحلين إلى الأخذ من علومه، وأما دينا: فلتمكينهم بإظهاره من الأخذ منه، ولم
(١) دلائل الإعجاز: ٧٤، ٧٥، ٢٩٤، ٢٩٦. بتحقيق الشيخ محمود شاكر.