التشبيه القريب المبتذل
  أيضا أن الكوز غالب الحضور مطلقا لا بقيد حضور الجرة، وأجيب بأن الذى يغلب مطلقا حضوره هو كوز العرب؛ لأنهم يشربون من الخشب والأدم، والمراد بهذا الكوز الخزف، وهو نادر الحضور عند العرب إلا مع حضور الجرة، وهذا تكلف، وأجيب أيضا بأن فيه غلبة الحضور مع الجرة وعلى الإطلاق فمثل به باعتبار الأول وفيه ضعف؛ لأن علة الحضور المطلق كما سيذكره تغنى عن المعنى، فيجب أن يؤتى بمثل يختص به الأول، وقد فهم من أمثلة التفصيل أنه لا يشترط فى التفصيل مع الغرابة أو بدونها كون الوجه هيئة مركبة، بل إذا اعتبر أشياء، ولو صح أن يستقل كل واحد بالتشبيه كان من التفصيل، فافهم.
  (أو مطلقا) هذا معطوف على قوله عند حضور المشبه، يعنى أن غلبة حضور المشبه به الموجب لظهور الوجه إما أن تكون عند حضور المشبه، وإما أن تكون مطلقا أى: لا بقيد حضور المشبه، وإنما تحصل غلبة حضور المشبه به فى الذهن مطلقا (ل) أجل (تكرره) أى: المشبه به (على الحس) الذى هو البصر أو السمع أو الذوق أو الشم فيستغنى بتكرره على الحس فى غلبة حضوره عن غيره، فلا تتوقف تلك الغلبة على حضور المشبه، وإذا غلب حضوره مطلقا تحققت سرعة الانتقال إليه عند روم التشبيه؛ وذلك لأن المتكرر على الحس كثرت مباشرته وكثر إدراكه فيعلم ما فيه من الأوصاف غالبا، فإذا أريد تشبيه شيء فى وجه فيه انتقلت النفس بسرعة إلى ما ألفت ذلك الوجه فيه فيكون مبتذلا بسرعة الانتقال، ومما يدل على أن النفس تنتقل بسرعة إلى المألوف المعتاد قبل غيره أنا لو فرضنا اسما لمسمى واحد له حالتان كثر إحساس إحداهما، وقل الإحساس بالأخرى، وسمع ذلك الاسم فإن أول ما تنتقل إليه النفس ويتسارع إليها من ذلك الاسم الحالة الكثيرة، ألا ترى إلى القمر فإنه اسم لمسمى واحد كثر الإحساس به بصورة كونه تاما غير منخسف وقل الإحساس به بصورة الانخساف، فإذا سمع لفظ القمر فأول ما يتسارع إلى الفهم الصورة الكثيرة، فكذلك المشبه به الكثير الدوران على الحس إذا استحضر المشبه بوصف أريد الإلحاق بسبب ذلك الوصف تسارعت النفس إلى المألوف فيه ذلك الوصف، وإنما قلنا غالبا لما تقدم أن