مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تقسيم التشبيه باعتبار الأداة

صفحة 227 - الجزء 2

  نسب الجريان إليه، وإن كان الجارى فى الحقيقة هو الشعاع المصفر الواقع فيه، ويحتمل أن يكون فى الكلام استعارة، بأن يستعار الذهب لنفس الشعاع المصفر، وتكون إضافته إلى الأصيل من إضافة المظروف للظرف، وعلى كل فقد أفهم التركيب أن الشعاع يكسو وجه الماء ويجرى عليه، ولا شك أن جريانه على الماء يستشعر منه حالة جريان الذهب على الفضة التى سقيت به، فيكون فى الكلام ظرافة فى تضمنه تشبيها آخر لطيفا، وبحمل هذا البيت على هذا الذى هو المتبادر منه يكون من لجين الكلام بضم اللام وفتح الجيم وهو حسنه وشريفه، لا من لجينه بفتح اللام وكسر الجيم وهو خسيسه وقبيحه، ويكون من هجانه بكسر الهاء وهو عليه، وشريفه لا من هجينه بفتح الهاء وهو رديه ووضيعه، ومن الناس من ذهب إلى أن اللجين فى البيت بفتح اللام وكسر الجيم، وأن المراد به ورق الشجر الساقط، وأن الشاعر شبه بذلك وجه الماء، ومنهم من ذهب إلى أن المراد بالأصيل الشجر الذى له أصل وعرق، فالمراد بالذهب الورق الساقط منه على وجه الماء واصفر ببرد الخريف، ولا يخفى أن كلا الوجهين فاسد، ويكفى فى فسادهما ما يشهد به كل طبع سليم من أن كلا منهما غاية فى البرودة المنافية لما اشتمل عليه البيت من الظرافة التى تتبادر لوائحها منه، والبرودة مع وجود منافيها من أنواع الفساد، على أن تشبيه وجه الماء بالورق الساقط إن أراد به الورق المصفر فلا يصح، لانتفاء الجامع المعتبر بينه وبين مطلق وجه الماء وإن أراد به مطلق الورق الساقط فكذلك، إذ يصير كتشبيهه بمطلق النبات فى الاخضرار، ولو جوزنا مثل هذا لجوزنا تشبيهه بالجبل الأجرع⁣(⁣١) ونحو ذلك، ونحو هذا التشبيه غير معدود فى الكلام، وأما الوجه الثانى فيلزم فيه زيادة على البرودة المفسدة انتفاء كونه من إضافة المشبه به إلى المشبه الذى هو المقصود أن يستشهد له فى الإضافتين، وأيضا إطلاق اللجين على الورق فى الوجه الأول، والأصيل على الشجر فى الثانى مما لا يعرف ولا يعهد لغة ولا عرفا، فلأجل هذا كان فساد هذين الوجهين غنيا عن البيان، وفى المطول أن كلا منهما أبرد من الآخر وذلك كاف فى فسادهما كما ذكرنا.


(١) هو الجبل له جانبان أحدهما رمل والآخر حجارة.