مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف الوضع

صفحة 243 - الجزء 2

  أنه وضع كذلك، ويكون الفرق بينه وبين الاسم الموضوع للمعنى النسبي الملازم للإضافة حتى صح أن يخبر عن الاسم دون ما ذكر من كون معناه روعي ولو حظ لغيره لا لذاته، فإن الملاحظ لغيره لا يقدر أن يحكم عليه، ولا يصلح لذلك، ويتضح ذلك بما قالوه وهو: أن البصر في إدراك المبصرات كالبصيرة في المعاني المدركات؛ فكما أن الناظر إلى صورة في المرآة متوجها لتلك الصورة بخصوصها لا يقدر أن يحكم على المرآة حال توجهه إلى الصورة ولو كانت المرآة مدركة في تلك الحالة، لتوغله في الصورة وإقباله عليها، وجعله المرآة لتلك الصورة وسيلة إليها، فلا يستطيع أن يراعي جوانبها وأحوالها ليحكم عليها، كذلك الناظر في حال الاسم والفعل مقبلا على شأنهما يجعل معنى الحرف الذي هو الابتداء في من مثلا فيما إذا قيل: سرت من الدار وسيلة إليهما وإلى حالهما ليفهم السامع أن مضمون الأول ابتدئ من مضمون الثاني، ولا يقال: الابتداء هو الوسيلة، وهو المتوسل إليه، لأنه وسيلة من حيث إنه ابتداء من شيء ما، ومتوسل إليه من حيث إنه ابتداء السير من مكان مخصوص؛ ولهذا لا يستطاع أن يحكم على معنى الحرف حينئذ، لأنه لوحظ لغيره، ولو لوحظ لذاته لعبر عنه بالاسم، ولوجب صحة الحكم عليه؛ كما يصح الحكم على المرآة إذا لم تجعل وسيلة بل جعلت مقصودة؛ للإحاطة حينئذ بأحوال كل منهما حيث قصدا بالذات فنقول المرآة مجلوة مثلا وابتداء السير من البصرة أحسن من ابتدائه من الكوفة؛ ولمثل هذا لا يصح الحكم على الفعل فإذا قلت: قام فهو من حيث دلالته على القيام ملحوظ لذاته، وبذلك فارق الحرف.

  ومن حيث إن فيه نسبه مقصود للفاعل لا لذاتها لا يصح الحكم عليه، إذ لا يستطاع الحكم على غير ملحوظ لذاته كما فهمته في المرآة. ولما كانت دلالة الحرف الحقيقية هي دلالته على المعنى المتوسل إليه وهو الخاص، لكون معناه الأصلي نسبيا مقصودا لغيره، ولا تحصل تلك الدلالة إلا عند ذكر الدال على المعنى المقصودة أحواله وهو الاسم والفعل - قيل: إن معنى الحرف مخصوص، وهو في من مثلا ابتداء سير من البصرة مثلا أفاد الحرف هذا المعنى رد بنوع من الاستلزام؛ وهو استلزام الأخص للأعم - إلى المستقل الذي هو مطلق الابتداء؛ وفيه يقع التشبيه والاستعارة على ما سيأتي وإنما اعتبر