مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أنواع المجاز:

صفحة 252 - الجزء 2

أنواع المجاز:

  ولما عرف الحقيقة المقابلة للمجاز أشار إلى تقسيم المجاز، ثم إلى تعريفه فقال: (والمجاز) في الاصطلاح قسمان: (مفرد، ومركب) وهو في الأصل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه، فهو مصدر ميمي على وزن مفعل قلبت فيه الواو ألفا بعد نقل حركتها للساكن قبلها؛ كمقام، ثم نقل لكلمة اتصفت بمعناه وهي الكلمة المستعملة في غير معناها الأصلي؛ لأنها متصفة بالجواز؛ إما على أنها جائزة مكانها الأصلي وهو ما تستعمل فيه بالأصالة إلى غيرها؛ فتكون متصفة بمعناه على أنه وصف الفاعل؛ فهو مصدر أطلق على الفاعل. أو على معنى أنها مجوز بها؛ أي جازوا بها مكانها الأصلي، وعدوها إياه، فتكون متصفة بمعناه على أنه وصف المفعول، فهو مصدر أطلق على المفعول؛ ونحو هذا ذكره الشيخ عبد القاهر في أسرار البلاغة في وجه تسمية الكلمة بالمجاز. واستظهر المصنف أنه نقل من اسم المكان إلى الكلمة من قولهم: جعلت كذا مجازا لحاجتي؛ أى: طريقا لحاجتى لأن الكلمة جعلت طريقا لفهم معناها الذي نقلت إليه فلم يعتبر فيها كونه جائزة ولا مجوزا بها، بل كونها محلا للجواز وإنما استظهره لأن استعمال المجاز في المكان أكثر، ونقله لما يشبه بالمكان ويتخيل فيه المحلية أنسب، وعليه فيكون في الأصل من قولهم: جزت المكان، لا بمعنى: تجاوزته، بل بمعنى: سلكته، ووقع جوازي فيه؛ ولو كان ملزوما للتجاوز أيضا وما ذكره الشيخ عبد القاهر لا ينافي أن ينقل من المكان للفاعل أو المفعول لوجود التلبس بالفعل في كليهما، لكن نقل المكان إلى ما يؤول بالمكان تأويلا غير بعيد أنسب. ولا يقال: إذا كان المرعي في الكلمة على ما استظهره المصنف أنها جعلت طريقا لفهم المعنى فالحقيقة جعلت طريقا لمعناها أيضا؛ فلتسم مجازا بهذا الاعتبار، بخلاف اعتبار أسرار البلاغة إذ لم يتجاوز بالحقيقة عن أصلها؛ فيلوح من هذا رجحان الاعتبار الأول وإن كان هذا الأخير قريب المناسبة؛ لأنا نقول: ما ذكر لبيان وجه التسمية ووجه ترجيح هذا الاسم في المعنى على غيره، ولا يقتضي ذلك اطراد التسمية في كل ما وجد فيه المعنى المعتبر؛ لأنه إنما اعتبر لإنشاء التسمية على وجه الخصوص بالمسمى كما لا يلزم انتفاؤها عند انتفاء المعنى فإنك إذا