مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

القول في الحمد والشكر

صفحة 96 - الجزء 1

  الذاتية إذ ليس المراد بالذاتية إلا ما يحق عند عدم عروض مناسب للمقام، ولهذا قيل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}⁣(⁣١) قدم اقرأ؛ لأن الأهم أى: الأنسب لمقام القراءة اللفظ الدال عليها، وإنما قلنا كذلك؛ لأن الحاكم بالترجيح فى التقديم فى باب البلاغة قصد البليغ، وهو تابع لما يناسب المقام، وقد يزيل الذاتيات بذلك القصد، ألا يرى أن الركن الأعظم فى الإسناد وهو المبتدأ قد يزيله قصد البليغ أن يفيد بحذفه إيهام أن ذكره كالعبث لوجود ما يدل عليه فى المقام.

  (على ما أنعم) أى: على إنعامه، وهو متعلق بأحمد مقدرا، وإنما لم نجعله متعلقا بالحمد المصرح به لئلا يلزم الإخبار عن الموصول قبل كمال الصلة وجعلنا ما مصدرية لئلا يحوج جعلها اسما إلى تقدير الضمير؛ ولأن الحمد على الإنعام الذى هو وصف المحمود أحق من الحمد على المنعم به إذ لا يصح على المنعم به إلا باعتبار الإنعام، وحذف مفعول أنعم؛ ليوهم السامع قصور العبارة عن الإحاطة به، وقلنا ليوهم السامع، ولم نقل لتحقق قصور العبارة، ولو كان ذلك هو الواقع عند قصد الإحاطة تفصيلا؛ لأنه لا يتحقق القصور لصحة الإحاطة بالإجمال كقولنا: الحمد لله على كل نعمة أو لأن الذى ينبغى عند قصد شكر نعم المحمود تفصيلها ليتبين جمال المشكور وكرمه، عند ذلك يتعذر الاستيفاء فيتوهم اختصاصها بشيء دون شيء، فحذف نفيا لذلك التوهم الواقع بذلك التفصيل، ثم لما أفاد العموم بالحذف لما ذكر خصص نوعين بالذكر لأهميتهما للحاجة إليهما فى بقاء الإنسان فى عافيته وسلامته، وهما نعمة البيان ونعمة تحقق العدل أما نعمة البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عما فى الضمير، فجلالتها المفيدة لأهمية تخصيصها بالذكر أن الإنسان فى غاية الافتقار عادة فى مصالحه إلى مخالطة أبناء جنسه؛ ليستعين بهم على التوصل إلى مآربه الضرورية وغيرها، وعند الاستعانة يحتاج كل منهم إلى أن يطلع صاحبه عما فى ضميره، ليعينه فيه، والتوصل بالإشارة مع ما فيه من مشقة البطء فى التبليغ لا يعم غير المبصر، والتوصل بالكتابة فيه مشقة عظيمة، فكان التوصل بالعبارة غاية النعمة؛ لعمومها وسهولتها لكونها كيفيات


(١) العلق: ١.