القول في الحمد والشكر
  تعرض للنفس الضرورى، وأما نعمة العدل فلأن المخالطة الموقوف عليها بقاء النوع الإنسانى عادة تؤدى عند قصد التوصل إلى ما يفتقر إليه كل إلى التخالف فى الشهوات، فيدافع كل صاحبه عما يشته لنفسه فيظلم القوى الضعيف، ويدفع الصالح عما ينبغى له كل سخيف، فاحتيج إلى العدل الرافع للظلم، والعدل لا يتم إلا بقضايا كليات تحيط بجميع الجزئيات ضرورة أن ما يتعلق بجزئية قد لا يتعدى إلى أخرى، وتلك القوانين هى من جزئيات الشرع فأشار إلى النعمة الأولى عاطفا لها لمزيد اهتمام كما ذكرنا فقال (وعلم من البيان ما لم نعلم) أى: نحمده تعالى على تعليمه لنا ما لم نعلم من البيان، فمن البيان بيان لما قدم عليه لرعاية السجع وزاد ما لم نعلم مع كون التعليم يستلزمه لهذه الرعاية، ولزيادة التأكيد لما فيه من الإشارة إلى كمال النعمة حيث علمنا ما لسنا أهلا لعلمه بسهولة، والبيان هو: المنطق الفصيح المعرب عما فى الضمير كما تقدم، وفيه الإيماء إلى أن هذا العلم المقصود مما يتعلق بالبيان، وهو براعة الاستهلال ثم أشار إلى الحمد على النعمة الثانية بالدعاء لمن ظهرت على يديده؛ لأن العدل لا يستقيم على يد كل أحد إذ لا ينفذ فى كل فرد حتى يكون بحيث يكون خصوصية لملزمه بها يقبل منه، ولا يكون له خصوصية حتى يعلم أنه خص به مظهره من عند خالق الكل، ولا يظهر ذلك إلا بظهور الرسالة المدلول عليها بالمعجزات المتضمنة للشرائع الجامعة للعدل وقوانينه، فأومأ إلى ما ذكر بالدعاء لصاحب المعجزات كما ذكرنا فقال (والصلاة) وهى من الله تعالى لرسوله ﷺ زيادة تشريف وترفيع، ومن الخلق طلب ذلك (والسّلام) وهو الأمان من كل خوف، والسلامة من كل أذى أو كلام التحية والتكريم (على سيدنا) أى ملتجئنا فى المهمات وفى دفع الملمات (محمد) اسمه ﷺ الدال على كثرة محامده (خير من نطق بالصواب) أى أعلى من تكلم بالصواب، وهو ضد الخطأ؛ لأنه ﷺ لا ينطق على الهوى، وهو نعت لمحمد ثم عطف عليه قوله (وأفضل من أوتى) أى: أعطى (الحكمة) وهى حقائق العلوم والألفاظ الدالة على تلك الحقائق، ويطلق كثيرا على علم الشرائع، ولم يذكر فاعل الإيتاء لتعينه للعلم بأنه ليس إلا الله تعالى.