مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلي؟

صفحة 284 - الجزء 2

  المبالغة التي هي من الخواص التي تفارق به الاستعارة في الحقيقة، وأن نفي كون الاستعارة أبلغ في التشبيه، يقتضي التسوية بين الحقيقة والاستعارة؛ فيصح كون أحدهما نفس الأخرى. فالوجهان متلازمان اختلفا بالاعتبار، ويرد الأول بأن نفي الادعاء لا يستلزم أن اللفظ لم يبق فيه إلا مجرد الإطلاق حتى يصح كون الأعلام المنقولة التي هي من الحقيقة استعارة؛ وذلك لأن النقل بواسطة علاقة التشبيه والأعلام لا علاقة فيها أصلا، فلم يلزم من نفي ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به كون الأعلام المنقولة يصح أن تكون استعارة؛ لعدم وجود أصل التشبيه فيها.

  وأما الثاني: وهو أن نفي الادعاء المذكور يلزم منه مساواة الاستعارة للحقيقة في نفي المبالغة؛ فيرد أيضا بأنه إن أريد بنفي المبالغة نفي المبالغة في التشبيه، فيصير كأصل التشبيه أو كما لا تشبيه فيه أصلا، ففاسد من وجهين: أحدهما: أنه مصادرة لأن نفي المبالغة يعود إلى معنى نفي ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به. والآخر: أن نفي تلك المبالغة لا يستلزم نفي كون الاستعارة أبلغ من الحقيقة؛ لأن الأبلغية الموجودة في الاستعارة دون الحقيقة.

  نقول: إنها هي الأبلغية الموجودة في سائر أنواع المجاز، وهي كون المجاز كادعاء الشيء بالدليل على ما سيأتي. وتلك لم توجد في الحقيقة سواء كان تشبيها أو غيره فإن أريد بنفي المبالغة شيء آخر، فلم يتصور حتى يحكم عليه، ويلزم أيضا من عدم اعتبار دخول المشبه في جنس المشبه به، أن من قال: «رأيت أسدا يرمي» أراد بالأسد زيدا. لا يقال فيه: إنه جعله أسدا، كما لا يقال لمن سمى ولده «أسدا» إنه جعله أسدا، وذلك لاستواء الإطلاقين في عدم ادعاء دخول ما أطلق عليه اللفظ في جنس صاحب الاسم.

  وإنما يقال فيه سماه «أسدا» فثبت المدعى وهو إدخال المشبه في المشبه به؛ فأطلق عليه لفظه؛ فكان مجازا عقليا ويرد على هذا الوجه أيضا أن قول القائل فيما إذا قيل: «رأيت أسدا» إنه جعله أسدا بادعاء الأسدية له لو استلزم كونه مجازا عقليا لزم مثله في نحو: زيد أسد إذ يقال فيه جعله أسدا أيضا، وهو حقيقة وليس بمجاز أصلا فضلا عن كونه عقليا.