مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

براعة الاستهلال

صفحة 706 - الجزء 2

براعة الاستهلال

  (وأحسنه) أي: أحسن الابتداء (ما ناسب المقصود) أي: والمناسبة تحصل باشتمال الابتداء على ما يشعر في الجملة بما سيق الكلام من أجله، فإذا سيق مثلا لبيان علم من العلوم كالفقه؛ فاشتمال ابتدائه على ما يشعر بأفعال المكلفين وأحكامها هو من أحسن الابتداء.

  (ويسمى) كون الكلام مناسبا للمقصود، أو الكلام بنفسه المناسب للمقصود (براعة الاستهلال) والاستهلال في الأصل أول ظهور الهلال، ثم استعمل في مطلق افتتاح الشيء، والبراعة: مصدر برع الرجل بضم الراء وفتحها إذا فاق أقرانه في العلم أو غيره، فإضافة البراعة إلى الاستهلال على معنى الملابسة أي: البراعة الحاصلة من الشاعر أو الكاتب الملابسة للاستهلال أي: لابتداء الكلام، وتلك البراعة التي هي مناسبة الكلام هي (كما) في (قوله في التهنئة) التي هي إيجاد كلام يزيد سرورا بمفروح به:

  (بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا)⁣(⁣١)

  وهو مطلع قصيدة لأبي محمد الخازن يهنئ الصاحب بولد لابنته، وإنما كان عن البراعة؛ لأنه يشعر بأن ثم أمرا مسرورا به، وأنه أمر حدث، وهو رفيع في نفسه يهنأ به، ويبشر من سر به، ففيه الإيماء إلى التهنئة والبشرى التي هي المقصود من القصيدة، وكذا قول أبي الطيب في التهنئة بزوال المرض:

  المجد عوفي إذ عوفيت والكرم ... وزال عنك إلى أعدائك السقم⁣(⁣٢)

  (و) كما في (قوله في المرثية: هي)⁣(⁣٣) أي: القصة التي تتلى هي هذه وهي قوله (الدنيا تقول بملء فيها) والملء بكسر الميم ما يملأ الشيء، والمعنى أنها تقول ذلك جهرة بلا خفاء؛ لأن ملء الكلام الفم يشعر بظهوره، والجهر به بخلاف الخفي، ففي


(١) البيت لمحمد بن الخازن يهنئ الصاحب بولد لابنته، انظر شرح عقود الجمان (٢/ ١٩٥).

(٢) مطلع قصيدة للمتنبى فى ديوانه (٢/ ١١٧)، ط دار الكتب العلمية.

(٣) البيت لأبى الفرج الساوى، انظر شرح المرشدى على عقود الجمان (٢/ ١٩٦).