جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثاني في حذف المسند إليه

صفحة 99 - الجزء 1

المبحث الثاني في حذف المسند إليه

  الحذف خلاف الأصل وهو قسمان:

  أ - قسم يظهر فيه المحذوف عند الإعراب: كقولهم: أهلا وسهلا فإنّ نصبهما يدلّ على ناصب محذوف يقدّر بنحو: جئت أهلا ونزلت مكانا سهلا، وليس هذا القسم من البلاغة في شيء.

  ب - وقسم لا يظهر فيه المحذوف عند الإعراب: وإنّما تعلم مكانه إذا أنت تصفحت المعنى ووجدته لا يتمّ إلا بمراعاته، نحو يعطي ويمنع أي: يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء.

  ولكن لا سبيل إلى إظهار ذلك المحذوف، ولو أنت أظهرته زالت البهجة، وضاع ذلك الرّونق⁣(⁣١).

  ومن دواعي حذف المسند اليه إذا دلت عليه قرينة:

  ١ - ظهوره بدلالة القرائن عليه: نحو: {فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}⁣[الذاريات: ٢٩].

  أي أنا عجوز.

  ٢ - إخفاء الأمر عن غير المخاطب: نحو أقبل، تريد عليّا مثلا.


(١). وفي هذا القسم تظهر دقائق البلاغة ومكنون سرها ورائع أساليبها. ولهذا يقول الإمام (عبد القاهر الجرجاني) في باب الحذف: إنه باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر والأصل في جميع المحذوفات على اختلاف ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل عليها، وإلا كان الحذف تعمية وإلغازا لا يصار إليه بحال، ومن شرط حسن الحذف أنه متى ظهر المحذوف زال ما كان في الكلام من البهجة والطلاوة، وصار إلى شيء غث لا تناسب بينه وبين ما كان عليه أولا (والقرينة شرط في صحة الحذف) إذا اقترن بها غرض من الأغراض المذكورة.