جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب التاسع في الإيجاز، والإطناب، والمساواة

صفحة 184 - الجزء 1

  هؤلاء تفسير وتوضيح لذلك الأمر المبهم وفائدته توجيه الذهن إلى معرفته، وتفخيم شأن المبين، وتمكينه في النفس فأبهم في كلمة الأمر ثم وضحه بعد ذلك تهويلا لأمر العذاب.

  ٤ - ومنها: التوشيع: وهو أن يؤتى في آخر الكلام بمثنى مفسر بمفردين ليرى المعنى في صورتين، تخرج فيهما من الخفاء المستوحش إلى الظهور المأنوس، نحو العلم علمان، علم الأبدان، وعلم الأديان.

  ٥ - ومنها: التكرير: وهو ذكر الشيء مرتين أو أكثر لأغراض:

  الأول: التأكيد وتقرير المعنى في النفس كقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}⁣[التكاثر: ٣ - ٤](⁣١) وكقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}⁣[الشرح: ٥ - ٦].

  الثاني: طول الفصل لئلا يجيء مبتورا ليس له طلاوة. كقوله تعالى: {يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ}⁣[يوسف: ٤] فكرر رأيت لطول الفصل ومن هذا قول الشاعر: [الطويل]

  وإن امرأ دامت مواثيق عهده ... على مثل هذا إنه لكريم⁣(⁣٢)

  الثالث: قصد الاستيعاب: نحو: قرأت الكتاب بابا بابا، وفهمته كلمة كلمة.

  الرابع: زيادة الترغيب في امر مطلوب كالعفو في قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}⁣[التغابن: ١٤].

  الخامس: الترغيب في قبول النصح باستمالة المخاطب لقبول الخطاب كقوله تعالى: {وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ}⁣[غافر: ٣٨، ٣٩]. ففي تكرير يا قوم تعطيف لقلوبهم، حتى لا يشكوا في إخلاصه لهم في نصحه.


(١). أي سوف تعلمون ما أنتم عليه من الخطأ إذا شاهدتم هول المحشر، فقد أكد الإنذار بتكريره ليكون أبلغ تأثيرا وأشد تخويفا.

(٢). الشاهد في تكرير (إن) الّتي في أول البيت، وتكريرها في آخره.