جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب التاسع في الإيجاز، والإطناب، والمساواة

صفحة 187 - الجزء 1

  والثاني: غير الجاري مجرى الأمثال، لعدم استغنائه عما قبله، ولعدم استقلاله بإفادة المعنى كقول النابغة: [البسيط]

  لم يبق جودك لي شيئا أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل

  فالشطر الثاني: مؤكد للإول، وليس مستقلا عنه، فلم يجر مجرى المثل.

  ٩ - ومنها الاحتراس: ويقال له التكميل، وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم. فالاحتراس: يوجد حيثما يأتي المتكلم بمعنى يمكن أن يدخل عليه فيه لوم، فيفطن لذلك ويأتي بما يخلصه.

  سواء أوقع الاحتراس في وسط الكلام. كقول طرفة بن العبد: [الكامل]

  فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي⁣(⁣١)

  فقوله: غير مفسدها: للاحتراس.

  أو وقع الاحتراس في آخره، نحو: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ}⁣[الانسان: ٨] أي: مع حب الطعام: واشتهائهم له، وذلك أبلغ في الكرم، فلفظ «على حبّه» فضلة للاحتراس ولزيادة التحسين في المعنى. وكقول أعرابية لرجل: أذل اللّه كل عدو لك إلا نفسك.

  ١٠ - ومنها التتميم: وهو زيادة فضلة، كمفعول، أو حال، أو تمييز، أو جار ومجرور، توجد في المعنى حسنا بحيث لو حذفت صار الكلام مبتذلا. كقول ابن المعتز يصف فرسا: [الطويل]

  صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل

  إذ لو حذف ظالمين لكان الكلام مبتذلا، لا رقة فيه ولا طلاوة وتوهم أنها بليدة تستحق الضرب.

  ويستحسن الإطناب في الصلح بين العشائر، والمدح، والثناء والذم والهجاء، والوعظ، والإرشاد، والخطابة: في أمر من الأمور العامة، والتهنئة ومنشورات الحكومة إلى الأمة، وكتب الولاة إلى الملوك، لإخبارهم بما يحدث لديهم من مهام الأمور.


(١). لما كان المطر مما يسبب الخراب دفع هذا الوهم بقوله: «غير مفسدها».