جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الخامس في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين

صفحة 246 - الجزء 1

  وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع

  فقد شبه المنية، بالسبع، بجامع الاغتيال في كل، واستعار السبع للمنية وحذفه. ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الأظفار على طريق الاستعارة المكنية الأصلية، وقرينتها لفظة أظفار.


= الأول: أن لفظ المشبه، لم يستعمل إلا في معناه الحقيقي، فلا يكون استعارة.

الثاني: أنه صرح بأن نطقت مستعارة للأمر الوهمي، أي المتوهم اثباته للحال، تشبيها بالنطق الحقيقي، فيكون استعارة، والاستعارة في الفعل لا تكون إلا تبعية فيلزمه القول بالتبعية، وأجيب عنه بأجوبة تطلب من المطولات.

وأما مذهب (الخطيب) فإنّه يقول: إن الاستعارة بالكناية، هي التشبيه المضمر أركانه سوى المشبه المدلول عليه، بإثبات لازم المشبه به للمشبه ويلزم على مذهبه أنه لا وجه لتسميتها استعارة، لأن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، أو استعمال اللفظ المذكور، والتشبيه غير ذلك: بل هو فعل من أفعال النفس.

تنبيه: المشبه: في مواد الاستعارة بالكناية، لا يجب أن يكون مذكورا بلفظ المشبه به، فيجوز ذكره بغير لفظه، كأن يشبه شئ كالنحافة واصفرار اللون، بأمرين كاللباس، والطعم المر البشع. ويستعمل لفظ أحد الأمرين فيه ويثبت له شيء من لوازم الآخر، كما في قوله تعالى: {فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} فإن شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من النحافة واصفرار اللون باللباس لاشتماله على اللابس واشتمال اثر الضرر على من به ذلك، فاستعير له اسمه، وشبه ما غشي الانسان عند الجوع «أي ما يدرك من اثر الضرر والألم، باعتبار أنه مدرك من حيث الكراهية» بما يدرك من الطعم المر البشع، حتى أوقع عليه الإذاقة، فتكون الآية مشتملة على الاستعارة المصرحة. نظرا إلى الأول، والمكنية نظرا إلى الثاني، وتكون الإذاقة تخييلا بالنسبة للمكنية، وتكون تجريدا بالنسبة إلى المصرحة لأنها تلائم المشبه، وهو النحافة والاصفرار، لأنها مستعارة للإصابة، وكثرت فيها حتى جرت مجرى الحقيقة ويقال شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر، باللباس، بجامع الاشتمال في كل، واستعير اسم المشبه به للمشبه، على سبيل الاستعارة التصريحية وطريق اجراء الاستعارة الثانية، أن يقال: شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر، بالطعم المر البشع، يجامع الكراهة في كل، واستعير لفظ المشبه به للمشبه، ثم حذف وأثبت له شيء من لوازمه وهو (الإذاقة) على سبيل الاستعارة المكنية، وإثبات الإذاقة تخييل، وطريق إجراء الاستعارة الثالثة: أن يقال شبهت الإذاقة المتخيلة، بالإذاقة المتحققة، واستعيرت المتحققة، للمتخيلة، على سبيل التخييلية، على مذهب (السكاكى).