(33) الأسلوب الحكيم
  يريد الحجاج: القيد الحديد الأسود: فقال القبعثري: «مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب» يعني الفرس الأسود، والفرس الأبيض، فقال له الحجاج: أردت الحديد فقال القبعثري: لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا، ومراده تخطئة الحجاج بأن الأليق به الوعد لا الوعيد(١).
  وقال ابن حجاج بغدادي: [الخفيف]
  قال: ثقلت، إذ أتيت مرارا ... قلت: ثقلت كاهلي بالأيادي
  قال: طولت، قال: أوليت طولا ... قال: أبرمت، قلت: حبل ودادي(٢)
  فصاحب ابن حجاج، يقول له: قد ثقلت عليك بكثرة زياراتي، فيصرفه عن رأيه في أدب وطرف وينقل كلامه من معنى إلى معنى آخر: وقول الشاعر: [الطويل]
  ولما نعى الناعي سألناه خشية ... وللعين خوف البين تسكاب أمطار
  أجاب قضى: قلنا قضى حاجة العلا ... فقال: مضى قلنا: بكلّ فخار
  ويحكى: أنه لما توجه خالد بن الوليد لفتح الحيرة، أتى إليه من قبل أهلها رجل ذو تجربة فقال له خالد: فيم أنت؟ قال: في ثيابي، فقال: علام أنت؟ فأجاب على الأرض فقال كم سنك؟ قال: اثنتان وثلاثون فقال: أسألك عن شئ وتجيبني بغيره، فقال: إنما أجبتك عما سألت.
(١). سبب ذلك: أن الحجاج بلغه أن القبعثري لما ذكر الحجاج بينه وبين أصحابه في بستان، قال: اللهم سود وجهه، واقطع عنقه واستقني من دمه، فوشى به إلى الحجاج فلما مثل بين يديه، وسأله عن ذلك، قال: إنما أردت «العنب» فقال له الحجاج ما ذكر.
(٢). فقد وقع لفظ «ثقلت» في كلام المتكلم بمعنى «حملتك المؤونة» فحمله المخاطب على الإكثار من المنن والأيادي «وأبرمت» وقع في كلامه بعضي «أمللت» فحمله المخاطب على إبرام حبل الوداد وإحكامه، وليس في طولت الأولى التي سمى من طول الإقامة، وتطولت من التطول وهو التفضل: شاهد.