جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب الثاني في المحسنات اللفظية

صفحة 349 - الجزء 1

  ٢ - والتّضمين: هو أن يضمن الشاعر كلامه شيئا من مشهور شعر الغير مع التنبيه عليه⁣(⁣١) إن لم يكن مشهورا لدى نقاد الشعر، وذوي اللسن، وبذلك يزداد شعره حسنا، كقول الصاحب بن عبّاد: [البسيط]

  أشكو إليك زمانا ظل يعركني ... عرك الأديم، ومن يعدو على الزمن

  وصاحبا كنت مغبوطا بصحبته ... دهرا فغادرني فردا بلا سكن

  وباع صفو وداد كنت أقصره ... عليه مجتهدا في السر والعلن

  كأنه كان مطويا على إحن ... ولم يكن في قديم الدهر أنشدني

  «إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن»


(١). أما تضمينه بلا تنبيه عليه لشهرته: فكقوله: [البسيط]

أولى البرية طرا أن تواسيه ... عند السرور الذي واساك في الحزن

«إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كا يألفهم في المنزل الخشن)

وكقوله: [الكامل]

قد قلت لما اطلعت وجناته ... حول الشقيق الغض روضة آس

أعذاره الساري العجول ترمقا ... ما في وقوفك ساعة من باس

فالمصراع الأخير، مطلع قصيدة مشهورة لأبي تمام: [الكامل]

ما في وقوفك ساعة من باس ... تقضي حقوق الأربع الأدراس

وأحسن التضمين: أن يزيد المضمن في كلامه نكتة لا توجد في الأصل كالتورية والتشبيه، كما في قول ابن أبي الأصبع: مضمنا [الطويل]

إذا الوهم أبدى لي لما ها وثغرها ... «تذكرت ما بين العذيب وبارق»

ويذكرني من قدها ومدامعي ... «مجرى عوالينا ومجرى السوابق»

فالمصراعان الأخيران مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي:

تذكرت ما بين العديب وبارق ... مجرى عوالينا ومجرى السوابق

يريد المتنبي: أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين، يجرون الرماح عند مطاردة الفرسان، ويسابقون على الخيل، أما الشاعر الآخر: فأراد بالغذيب تصغير العذب وعنى به شفة الحبيبة، وأراد ببارق ثغرها الشبيه بالبرق، وبما بينهما ريقا، وهذه تورية بديعة نادرة في بابها، وشبه تبختر قدها بتمايل الرماح، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق.