علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الباب الخامس في التقديم وفيه أربعة مباحث

صفحة 108 - الجزء 1

  ٨ - رعاية السجع والفاصلة نحو: خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر، الى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص، لأن المقام ينبو عنه، كما بينه ابن الأثير في المثل السائر.

  ٩ - أن يكون المقدم محط الإنكار، كما يقول: أبعد طول عشرة فلان تخدع بمواعيده. وعليه قول أبي العلاء:

  أعندي وقد مارست كل خفية ... يصدّق واش أو يخيب سائل

  ويقدم بعض معمولات الفعل على بعض لأسباب، منها:

  (أ) أن التقديم هو الأصل ولا داعي للعدول عنه كتقديم الفاعل على المفعول، نحو: كلم محمد عليا. وتقديم المفعول الأول على الثاني، نحو: أعطيت محمدا درهما.

  (ب) أن ذكره أهم والعناية به أتم، فيقدم المفعول على الفاعل اذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل على من وقع عليه لا وقوعه ممن وقع منه، كما إذا عاث لص فاتك في البلاد وكثره أذاه فأمسك وأردت أن تخبر بذلك فتقول: أمسك اللص فلان، إذ ليس للناس كبير فائدة في أن يعرفوا الممسك، وإنما الذي يهمهم عمله هو من أمسك ليتخلصوا من شره.

  ويقدم الفاعل اذا كان الغرض معرفة وقوع الفعل ممن وقع منه، كما اذا كان شخص خامل الذكر لا يظن به أن يقوم بعمل جليل فاخترع شيئا مفيدا وأردت أن تخبر بذلك فتقول: اخترع فلان كذا. لأن الذي يهم الناس من شأن هذا الفعل استبعاد صدوره من ذلك الفاعل.

  (ج) ان التأخير يوهم غير المعنى المراد كما في قوله تعالى: {وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ}⁣(⁣١)، إذ لو أخر {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} عما بعده لتوهم أنه متعلق بيكتم، فلا يفيد أن ذلك الرجل منهم.

  (د) أن التأخير يخل بتناسب الفواصل نحو: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى}⁣(⁣٢)، بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل إذ فواصل الآي على الألف.


(١) سورة غافر الآية ٢٨.

(٢) سورة طه الآية ٦٧.