علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الباب التاسع في الخروج عن مقتضى الظاهر

صفحة 142 - الجزء 1

  ووجه حسنه ما ذكره الزمخشري، وهو أن الكلام إذا نقل من أسلوب الى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية وتجديدا لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء اليه من اجرائه على أسلوب واحد، ومن ثم قيل: لكل جديد لذة، وقد تختص مواقعه بلطائف كما في سورة الفاتحة، فإن العبد اذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكره لما هو فيه بقوله: الحمد لله، الدال على اختصاصه بالحمد، وأنه حقيق به وجد من نفسه محركا للإقبال عليه، فإذا انتقل إلى قوله: رب العالمين، الدال على أنه: مالك للعالمين، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته، قوى ذلك المحرك، وهكذا كلما أجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك، الى أن يؤول الأمر الى خاتمتها المفيدة أنه مالك الأمر كله في يوم الجزاء، حينئذ يجد من نفسه إقبالا عليه وتخصيصا له بالخطاب بغاية الخضوع والاستعانة به في المهمات.

  الأسلوب الحكيم: وسماه الإمام عبد القاهر: المغالطة، وهو نوعان:

  ١ - تلقي المخاطب⁣(⁣١) بغير ما يترقب بحمل كلامه على غير ما يريد تنبيها على أنه الأولى بالقصد كقول ابن حجاج البغدادي:

  فقلت ثقلت إذ أتيت مرارا ... قال ثقلت كاهلي بالأيادي

  قلت طولت قال لا بل تطول ... ت وأبرمت قال حبل ودادي

  فلفظ ثقلت وقع في كلام المتكلم بمعنى حملتك المئونة فحمله المخاطب على تثقيل عاتقه بالمنن والأيادي.

  ٢ - تلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنه الأهم كقوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}⁣(⁣٢)، فقد سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصارف تنبيها على أن المهم هو السؤال عنها لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها.


(١) التلقي المواجهة، والمخاطب (بفتح الطاء) أي تلقي المتكلم بالكلام الثاني المخاطب به، وهو المتكلم بالكلام الاول.

(٢) سورة البقرة الآية ٢١٥.