الباب التاسع في الخروج عن مقتضى الظاهر
  الإضمار في مقام الإظهار، وذلك في موضعين:
  ١ - باب ضمير الشأن والقصة، ويكون مرفوعا نحو: هي الدولة استعدت، وهو الحق حصحص، ومنصوبا نحو: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ}(١) وسر هذا الأسلوب المبالغة وتعظيم تلك القصة وتفخيمها، من قبل أن الشيء اذا كان مبهما كانت النفوس متشوقة الى فهمه، متطلعة الى علمه، فإذا وضح وفسر حل محلا رفيع القدر لديها، ومن ثمة لا يكون إلا في المواضع التي يقصد فيها التهويل.
  ٢ - باب نعم وبئس، نحو: نعم رجلا محمد، وبئس غلاما سعيد، وانتصاب ما بعدهما من النكرات يجيء على جهة التفسير، والداعي اليه المبالغة في المدح أو الذم، من حيث انه عند الابهام يكون للأفئدة تطلع الى ايضاح المبهم وشغف إلى بيانه.
  الاظهار في مقام الاضمار، فإن كان المظهر اسم اشارة كان:
  ١ - اما لكمال العناية به لأجل اختصاصه بحكم غريب، كقول ابن الراوندي(٢):
  كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
  هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا(٣)
  فأتى باسم الاشارة لأجل الحكم البديع الذي اختص به المشار اليه وهو تركه الأوهام حائرة وتصييره العالم النحرير زنديقا.
  ٢ - وإما للتهكم بالسامع، كما اذا كان فاقد الصبر، فتقول له: هذا الهلال بين السحاب.
  ٣ - وإما لإظهار بلاهته، كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو: فجئني بمثلهم.
(١) سورة الحج الآية ٤٦.
(٢) هو احمد بن يحيى الراوندي المتوفى سنة ٢٩١ هـ، اتهم بالزندقة ونسب اليه أنه عارض القرآن، وأتى بما تضحك منه الثكلى.
(٣) أعيت أعجزت، ومذاهبه وسائل عيشه، والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الاسلام، واسم الاشارة يعود الى الحكم السابق وهو حرمان العاقل ورزق الجاهل.