الباب التاسع في الخروج عن مقتضى الظاهر
  ٤ - وإما لكمال فطنته حتى كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو:
  تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك(١)
  أي بقتلي، وكان من حقه أن يقول به لكنه ادعى أن قتله قد ظهر ظهور المحسوس، وإن كان المظهر غير اسم اشارة، فإما:
  (١) لزيادة تمكينه في ذهن السامع نحو: {اللهُ الصَّمَدُ}(٢)، ونحو: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ}(٣)، وقول الحماسي:
  شددنا شدة الليث ... غدا والليث غضبان
  (٢) وإما للاستعطاف والخضوع الموجبين للشفقة، كقوله:
  إلهي عبدك العاصي أتاكا ... مقرا بالذنوب وقد دعاكا
  (٣) وإما لادخال الروعة والمهابة في نفس السامع نحو: {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}(٤)، لاندراج كل كمال تحت لفظ الجلالة فأجدر به أن يكون موضع النّكلان.
  (٤) وإما للتهكم والتعجب، نحو: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ١ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا}(٥)، ثم قال بعد: {وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ}(٦)، فالغرض شد النكير عليهم والتعريض بأنهم حقا أهل التمرد والعناد.
  التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقيق وقعه، نحو: ونادى أصحاب النار، فقد جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع، ومثله التعبير عنه باسم الفاعل نحو: {وَإِنَّ الدِّينَ}(٧) لَواقِعٌ بدل يقع، أو باسم المفعول، نحو: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ}(٨) بدل يجمع.
(١) تعاللت: ادعيت العلة، أشجى: أحزن.
(٢) سورة الإخلاص الآية ٢.
(٣) سورة الحاقة الآية ١.
(٤) سورة آل عمران الآية ١٥٩.
(٥ و ٦) سورة ص الآيات ١ و ٢ و ٤.
(٧) أي الجزاء حاصل، فوقوع الجزاء استقبالي (سورة الذاريات).
(٨) سورة هود الآية ١٠٣.