علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الباب التاسع في الخروج عن مقتضى الظاهر

صفحة 144 - الجزء 1

  ٤ - وإما لكمال فطنته حتى كأن غير المحسوس عنده محسوس، نحو:

  تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك⁣(⁣١)

  أي بقتلي، وكان من حقه أن يقول به لكنه ادعى أن قتله قد ظهر ظهور المحسوس، وإن كان المظهر غير اسم اشارة، فإما:

  (١) لزيادة تمكينه في ذهن السامع نحو: {اللهُ الصَّمَدُ}⁣(⁣٢)، ونحو: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ}⁣(⁣٣)، وقول الحماسي:

  شددنا شدة الليث ... غدا والليث غضبان

  (٢) وإما للاستعطاف والخضوع الموجبين للشفقة، كقوله:

  إلهي عبدك العاصي أتاكا ... مقرا بالذنوب وقد دعاكا

  (٣) وإما لادخال الروعة والمهابة في نفس السامع نحو: {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}⁣(⁣٤)، لاندراج كل كمال تحت لفظ الجلالة فأجدر به أن يكون موضع النّكلان.

  (٤) وإما للتهكم والتعجب، نحو: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ١ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣(⁣٥)، ثم قال بعد: {وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ}⁣(⁣٦)، فالغرض شد النكير عليهم والتعريض بأنهم حقا أهل التمرد والعناد.

  التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقيق وقعه، نحو: ونادى أصحاب النار، فقد جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع، ومثله التعبير عنه باسم الفاعل نحو: {وَإِنَّ الدِّينَ}⁣(⁣٧) لَواقِعٌ بدل يقع، أو باسم المفعول، نحو: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ}⁣(⁣٨) بدل يجمع.


(١) تعاللت: ادعيت العلة، أشجى: أحزن.

(٢) سورة الإخلاص الآية ٢.

(٣) سورة الحاقة الآية ١.

(٤) سورة آل عمران الآية ١٥٩.

(٥ و ٦) سورة ص الآيات ١ و ٢ و ٤.

(٧) أي الجزاء حاصل، فوقوع الجزاء استقبالي (سورة الذاريات).

(٨) سورة هود الآية ١٠٣.