علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الباب التاسع في الخروج عن مقتضى الظاهر

صفحة 145 - الجزء 1

  (القلب)، وهو جعل جزء من أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه، على وجه⁣(⁣١) يثبت حكم كل منهما للآخر، وهو قسمان:

  ١ - ما يكون موجبه تصحيح حكم لفظي فقط والمعنى صحيح بدونه، كقول القطامي:

  قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا⁣(⁣٢)

  لما نكر موقفا وهو في وضع المبتدأ وعرف الوداع وهو في موضع الخبر جعل من (باب القلب).

  ٢ - ما يكون موجبه تصحيح المعنى، كقولهم: عرضت الناقة على الحوض، وأدخلت القلنسوة في الرأس، مكان: عرضت الحوض على الناقة، وأدخلت الرأس في القلنسوة، إذ الأصل أن يجاء بالمعروض الى المعروض اليه، وأن ينقل المظروف الى الظرف لا بالعكس كما هنا.

  والصحيح جوازه اذا اشتمل على مغزى شريف ومعنى حسن، كقول رؤبة:

  ومهمة مغبرة أرجاؤه ... كأن لون أرضه سماؤه⁣(⁣٣)

  يريد كأن لون سمائه لغبرتها لون أرضه، فعكس التشبيه لقصد المبالغة، ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح:

  لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل⁣(⁣٤)

  وإن لم يشتمل على اعتبار لطيف رد، كقول عروة بن الورد:

  (فديت بنفسه نفسي ومالي)

  (التغلب)، وهو إعطاء أحد المصطحبين أو المتشاكلين حكم الآخر، وهو باب ذو شعب كثيرة، فمن ذلك:

  ١ - تغليب المذكر على المؤنث، نحو: وكانت من القانتين، أدرجت مريم


(١) فان لم يثبت ذلك الحكم نحو: في الدار علي، وكلم محمدا علي، فان كلا منهما وإن جعل في مكان الآخر باق على حكمه، لا يسمى ذلك قلبا.

(٢) قفي يا ضباعة ساعة حتى أودعك قبل التفرق فلا جعل الله لنا موقف الوداع موقفا.

(٣) المهمة المفازة، والمغبرة المملوة بالغبار، والأرجاء النواحي.

(٤) الأرى العسل، واشتارته جنته، والعواسل جمع عاسلة وهي جانية العسل.