الباب العاشر في القصر وفيه ستة مباحث
  فإذا عزمت فتوكل على الله، أي لأن الأصلح لك لا يعلمه إلا الله، لا أنت، وعلى الحريري في قوله:
  لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه ... على ما تجلى يومه لا ابن أمسه
  ويجتمع مع إنما والتقديم فتقول: إنما محمد مجتهد لا كسلان، وهو يجتهد لا علي، لأن النفي فيهما غير مصرح به، بل المصرح به هو الاثبات، فلا يقبح تأكيد ما تضمناه والنفي بلا، بخلاف ما وإلا فإنه قد صرح فيهما بالنفي، والنفي الصريح ليس كالضمني.
  (تنبيه) لا يحسن العطف بعد إنما اذا كان الوصف مختصا بالموصوف كالتذكر الذي يعلم أنه لا يكون إلا من أولي الألباب في قوله تعالى: {إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}(١)، فلا يحسن أن تقول: إنما يتذكر أولو الألباب لا الجهال، كما يحسن أن تقول: إنما يجيء محمد لا علي.
  (٤) أن الأصل في (النفي والاستثناء) أن يكون لأمر ينكره المخاطب أو يشك فيه أو لما هو منزل هذه المنزلة - بيان ذلك أنك لا تقول ما هو إلا مخطى إلا لمن ينكر أن يكون الأمر على ما قلت، وإذا رأيت شبحا من بعد فقلت: ما هو إلا علي، لم تقله إلا والمخاطب يتوهم أنه ليس بعلي.
  وأما ما هو منزل هذه المنزلة فكقوله تعالى: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}(٢) أي مقصور على الرسالة لا يتعداها الى التبري والتباعد عن الهلاك، نزل استفظاعهم هلاكه وشدة حرصهم على بقائه منزلة إنكارهم ذلك.
  ونظير ذلك قوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا}(٣)، لأن الكفار جعلوا الرسل كأنهم بادعائهم النبوة قد أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم.
  وأما قوله تعالى: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}(٤)، فمن باب مجاراة الخصم وتسليم بعض مقدماته لتنقطع حجته
(١) سورة الرعد الآية ١٩.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٤٤.
(٣) سورة النحل الآية ٥٨.
(٤) سورة إبراهيم الآية ١١.