الباب الحادي عشر في الفصل والوصل وفيه تمهيد وخمسة مباحث
  (أ) عن سبب عام للحكم، نحو:
  قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل
  كأن المخاطب لما سمع قوله عليل، قال ما سبب علتك، فقال: سهر دائم وحزن طويل.
  (ب) واما عن سبب خاص كقوله تعالى: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}(١)، كأنه قيل: هل النفس أمارة بالسوء؟ فقيل: نعم إن النفس لأمارة بالسوء، وهذا يقتضي تأكيد الحكم الذي في جملة الجواب، كما سبق لك في أضرب الخبر، وعليه قول الشاعر:
  يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إن الكريم يرى في ماله سبلا
  كأنه قيل: فماذا يرى الكريم من ماله، فقيل: إن الكريم ... الخ.
  (ج) وأما عن غيرهما كقوله تعالى: {فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ}(٢) كأنه قيل: فماذا قال إبراهيم #، فقيل: {قالَ سَلامٌ}، وعليه قوله:
  زعم العواذل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي(٣)
  إذ مساق الكلام في إظهار الشكوى من العذال، وذلك مما يدعو السامع لأن يسأل: أصدقوا أم كذبوا، فقيل: صدقوا.
  وقد يحذف صدر الجواب، اسما كان أو فعلا، نحو: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ}(٤) فيمن قرأه بالبناء للمفعول، كما قد يحذف الجواب كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول مساور بن هند يهجو بني أسد:
  زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف(٥)
(١) سورة يوسف الآية ٥٣.
(٢) سورة الذاريات الآية ٢٥.
(٣) العواذل جمع عاذلة، يراد هنا جماعة عاذلة بدليل قوله صدقوا، والغمرة الشدة.
(٤) سورة النور الآية ٣٦.
(٥) إيلاف في الرحلتين المعروفتين لهم في التجارة رحلة في الشتاء الى اليمن ورحلة في الصيف الى الشام، وبعده:
أولئك أومنوا جوعا وخوفا ... وقد جاعت بنو أسد وخافوا