الباب الثاني عشر في الايجاز والاطناب والمساواة وفيه خمسة مباحث
  (الواو) ولحذفها فائدة لا توجد عند إثباتها لأن وجودها يؤذن بالتغاير بين الجملتين، وحذفها يصير الجملتين كأنهما جملة واحدة، وهذا من بديع الإيجاز وحسنه، كحديث أنس بن مالك: كان أصحاب رسول الله ينامون، ثم يصلون لا يتوضئون، وفي رواية ولا يتوضئون، فالحذف دل على اتصال الجملتين حتى كأن الثانية إحدى متعلقات الأولى، فهو في حكم: ينامون، ثم يصلون غير متوضئين، وبذا تتم المبالغة المرادة، وهي أنهم لا يذوقون النوم إلا غرارا.
  ٢ - حذف الجملة(١)، وهذا يكون إما:
  (أ) بحذف مسبب ذكر سببه نحو: ليحق الحق ويبطل الباطل، أي فعل ما فعل، ومنه قول أبي الطيب:
  أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم
  (أي فساءنا).
  (ب) عكسه نحو: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ}(٢)، أي فضربه بها فانفجرت.
  (ج) بحذف الأسئلة المقدرة ويلقب بالإستئناف، وذلك على أنواع:
  ١ - استئناف باعادة اسم ما استؤنف عنه، كقولك: أحسنت(٣) الى علي، علي حقيق بالإحسان، فتقدير المحذوف، وهو السؤال المقدر: لماذا أحسن، أو نحو ذلك.
  ٢ - استئناف باعادة صفته كقولك: أكرمت محمدا، صديقك القديم أهل لذلك منك. تقدير السؤال المحذوف: هل هو حقيق بالإكرام، والنوع الثاني أبلغ، لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم كالصداقة في هذا المثال.
  ٣ - حذف الجمل وأكثر ما يرد في كلام رب العزة، فهناك تتجلى مراتب
(١) المراد بالجملة هناك، الكلام المستقل بالافادة، الذي لا يكون جزء من كلام آخر، وإلا دخل الشرط والجزاء، وقد تقدم عد حذفهما من حذف المفرد.
(٢) سورة البقرة الاية ٦٠.
(٣) المقصود من الاخبار، إعلام المخاطب بأنه وقع الاحسان منه الى على، لتقرير الاحسان السابق واستجلاب الاحسان اللاحق.