علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

إيجاز القصر

صفحة 188 - الجزء 1

  {فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}⁣(⁣١)، فقد دل العقل على الحذف لأنه لا معنى للوم على ذات الشخص، وأما تعيين المحذوف فإنه يحتمل أن يقدر في حبه، لقوله: شغفها حبا، أو في مراودته لقوله: تراود فتاها عن نفسه، أو في شأنه حتى يشملهما معا، ولكن العادة تقتضي بأن الحب المفرط لا يلام عليه صاحبه، لأنه ليس من كسبه واختياره، وإنما يلام على المراودة التي يقدر أن يدفعها عن نفسه.

  (د) العقل الدال على المحذوف، والشروع في الفعل الدال على تعيينه، كما في: باسم الله، فإنك تقدر المتعلق ما جعلت التسمية مبدأ له من نحو: آكل أو أشرب أو أسافر.

  (ه) العقل الدال على المحذوف واقتران الكلام بالفعل الدال على تعيينه، كما تقول للمعرس: بالرفاه والبنين، أي أعرست.

إيجاز القصر

  هو ما تزيد فيه المعاني على الألفاظ الدالة عليها بلا حذف، وللقرآن الكريم فيه المنزلة التي لا تسامى والغاية التي لا تدرك، نحو: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}⁣(⁣٢)، فتلك آية جمعت مكارم الأخلاق، وانطوى تحتها كل دقيق وجليل، إذ في العفو الصفح عمن أساء، والرفق في سائر الأمور، بالمسامحة والاغضاء، وفي الأمر بالمعروف صلة الأرحام ومنع اللسان عن الكذب والغيبة، وغض الطرف عن المحارم، وفي الاعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وكظم الغيظ.

  ويقول عز اسمه: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ}⁣(⁣٣)، فقد استوعبت تلك الكلمات القليلة أنواع المتاجر وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد، وقوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فهاتان كلمتان أحاطتا بجميع الأشياء على غاية الاستقصاء، ولذا روي أن ابن عمر قرأها، فقال: من بقي له شيء فليطلبه.


(١) سورة يوسف الاية ٣٢.

(٢) سورة الأعراف الاية ١٩٩.

(٣) سورة البقرة الاية ١٦٤.