علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الرابع في الاطناب

صفحة 191 - الجزء 1

  وقوله #: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبين ذلك مشتبهات ... إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... الضعيف أمير الركب».

  وقول علي كرم الله وجهه: عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته، قد بصرتم إن أبصرتم وهديتم إن اهتديتم.

المبحث الرابع في الاطناب

  هو لغة مصدر أطنب في كلامه اذا بالغ فيه وطول ذيوله، واصطلاحا زيادة اللفظ على المعنى لفائدة، فخرج بذكر الفائدة التطويل والحشو، والفرق بينهما أن الزائدة إن كان غير متعين كان تطويلا، وإن كان متعينا كان حشوا، وكلاهما بمعزل عن مراتب البلاغة، فالأول نحو:

  ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد

  فالنأي والبعد واحد، ولا يتعين أحدهما للزيادة.

  والثاني ضربان:

  (أ) ما يفسد به المعنى كقول أبي الطيب في رثاء غلام لسيف الدولة:

  ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الفتى لو لا لقاه شعوب

  يريد أنه لا خير في الدنيا للشجاعة الصبر لو لا الموت، وهذا حسن جميل، لأنهما إنما عدا من الفضائل لما فيهما من الاقدام على الموت واحتمال المكاره، ولو علم الإنسان أنه خالد في الدنيا لهان عليه اقتحام المخاطر، كما أنه لو أيقن بزوال المكروه صبر لوثوقه بالخلاص، أما الندى فعلى العكس من ذلك لأن الموت يجعل البذل سهلا إذ من علم أنه ميت فهو جدير أن يجود بماله، كما قال طرفة:

  فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فذرني أبادرها بما ملكت يدي

  فهو حشد مفسد، وقد اعتذر له بعض الناس بما فيه تكلف وتعسف.

  (ب) ما لا يفسد به كقول أبي العيال الهذلي:

  ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب⁣(⁣١)

  فذكر الرأس مع الصداع حشو، لأنه لا يكون في غيره من الأعضاء.


(١) الوصب: نحول الجسم، من تعب، أو مرض.