الباب الثاني عشر في الايجاز والاطناب والمساواة وفيه خمسة مباحث
  ووجه حسنه إبراز الكلام في معرض الاعتدال، نظرا الى اطنابه من وجه، وإيجازه من وجه آخر، الى إيهام الجمع بين المنافقين.
  والتوشيع(١)، وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين، أحدهما معطوف على الآخر، نحو قوله #: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن، البخل وسوء الخلق»، وقول ابن الرومي يمدح عبد الله بن وهب:
  اذا أبو القاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان البحر والمطر
  وإن أضاءت لنا أنوار غرته ... تضاءل النيران الشمس والقمر
  ٢ - ذكر الخاص بعد العام تنبيها الى ما له من المزية حتى كأنه ليس من جنس العام، وتنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات كقوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ}(٢)، فذكر جبريل وميكايل مع دخولهما في الملائكة، للتنبيه على زيادة فضلهما.
  ٣ - التكرير، وقد جاء في القرآن الكريم، وكلام العرب منه شيء كثير، ويكون إما:
  (أ) للتأكيد كقوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ٤ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}(٣)، وقوله: كم نعمة كانت لكم كم كم وكم.
  (ب) لزيادة التنبيه الى ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول، نحو: {وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ}(٤) اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ(٥)، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع.
  (ج) لتعدد المتعلق، كما كرر الله ø في سورة الرحمن قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ}(٦) لأنه تعالى عدّد فيها نعماءه وذكّر عباده آلاءه،
(١) لغة لف القطن المندوف.
(٢) سورة البقرة الآية ٩٨.
(٣) سورة النبأ الآيتان ٤ و ٥.
(٤) إذ تكرار يا قوم مع إضافة الى ياء المتكلم يفيد بعد القائل عن التهمة في النصح إذ أنهم قومه، فلا يريد لهم إلا ما يريده لنفسه.
(٥) سورة غافر الآية ٣٨.
(٦) سورة الرحمن الآية ١٦.