علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الخامس في وجه الشبه

صفحة 220 - الجزء 1

  فقد شبه في البيت الأول صدغ الحبيب (وهو الشعر البادي من الرأس فيما بين الأذن والعين) وحاله بالليالي، وشبه في البيت الثاني ثغر الحبيب (وهو مقدم أسنانه) ودموعه باللآليء في القدر والصفاء والإشراق.

  ٢ - وإن كان المشبه به سمي تشبيه الجمع كقول البحتري:

  بات نديما لي حتى الصباح ... أغيد مجدول مكان الوشاح

  كأنما يبسم عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح

المبحث الخامس في وجه الشبه

  وجه الشبه هو الوصف الخاص⁣(⁣١) الذي قصد اشتراك الطرفين فيه، فقولك: علي كالأسد، ووجه سعدى كالشمس - الوجه في الأول الجرأة والإقدام وشدة البطش المشهورة في الأسد، وفي الثاني الحسن والبهاء الثابتان للشمس.

  فمن أراد أن يشبه حركة أو هيئة بغيرها فعليه أن يتطلب أمرا يشترك فيه الطرفان، كما فعل ابن المعتز حين يقول:

  وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا⁣(⁣٢)

  فهو لم ينظر الى جميع صفات البرق، بل نظر الى انبساط يعقبه انقباض، وانتشار يتلوه انضمام، فشبه ذلك بمصحف، القارئ يفتحه مرة، ويطبقه مرة أخرى.

  ومما ذكر تعلم أن قولهم: «النحو في الكلام كالملح في الطعام» يريدون به أن الكلام لا ينتفع به إلا بمراعاة أحكام النحو فيه، كما لا ينتفع بالطعام ما لم يصلح بالملح، إلا أن القليل من النحو مفيد والكثير مفسد، كما يفسد الملح الطعام، اذا كثر فيه، إذ لا تتصور زيادة ولا نقصان في جريان أحكامه في الكلام، لأنه إن استوفى احكامه من رفع الفاعل ونصب المفعول ونحو ذلك، فقد وجد النحو وانتفى الفساد وانتفع به في فهم المراد وإلا لم يوجد وكان


(١) قال ابن رشيق في «العمدة»: التشبيه صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم: فلان كالبحر، إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما، ولا يريدون ملوحة البحر وزعوقته. انتهى.

(٢) قار أصله قارئ حذفت منه الهمزة بعد قلبها ياء، ثم أعلى إعلال قاض.