الباب الأول في التشبيه وفيه اثنا عشر مبحثا
  ١ - أن تقترن هيئة الحركة بغيرها من أوصاف الجسم، كالشكل واللون، كقول جبار بن جزء بن أخي الشماخ:
  والشمس كالمرآة في كف الأشل ... لما رأيتها بدت فوق الجبل
  فوجه الشبه: الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة مع الإشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من الوسط الى جوانب الدائرة، ثم يبدو له أن يرجع من الانبساط الذي هم به الى الانقباض كأنه يرجع من الجوانب الى الوسط، فإن الإنسان اذا أحدّ النظر لينظر الى الشمس، ولا سيما أول شروقها، ليتبين جرمها، وجدها تؤدي هذه الهيئة، وكذلك المرآة في كف الاشل.
  ٢ - أن تجرد هيئة الحركة عن غيرها من الأوصاف، فهناك لا بد من اختلاط حركات كثيرة للجسم الى جهات مختلفة، كان يتحرك بعضه الى اليمين وبعضه الى الشمال وبعضه الى العلو وبعضه الى السفل، فحركة الدولاب والرحا والسهم، لا تركيب فيها لاتحاد الحركة.
  وحركة المصحف في قول ابن المعتز:
  وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا
  فيها تركيب لأنه يتحرك في حالتي الانطباق والانفتاح الى جهتين في كل حال الى جهة، ومن لطيف ذلك قول الأعشى، يصف السفينة في البحر، وتقاذف الأمواج بها:
  تقص السفين بجانبيه كما ... ينزو الرياح خلاله كرع(١)
  شبه السفينة في انحدارها وارتفاعها بحركات الفصيل في نزوه، فإنه يكون له حينئذ حركات متفاوتة تصير لها أعضاؤه في جهات مختلفة ويكون هناك تسفل وتصعيد على غير ترتيب، وبحيث تكاد تدخل إحدى الحركتين في الأخرى، فلا يتبينه الطرف مرتفعا حتى يراه متسفلا، وذلك أشبه شيء بحال السفينة وهيئة حركاتها حين تتدافعها الأمواج.
(١) تقص تثب، والنزو الوثوب والرياح كرمان، ويخفف القرد أو الفصيل، والكرع ماء السماء، وخلا فعل ماض.